وكان منشؤه بدمياط وتميز في المذهب وقرأ القرآن وطلب الحديث وقد صار له ثلاث وعشرون سنة ؛ فسمع بالإسكندرية في سنة ست وثلاثين من أصحاب السلفي . ثم قدم القاهرة وعني بهذا الشأن رواية ودراية ولازم الحافظ زكي الدين حتى صار معيده . وحج سنة ثلاث وأربعين وسمع بالحرمين وارتحل إلى الشام سنة خمس وأربعين . وارتحل إلى الجزيرة والعراق مرتين . وكتب العالي والنازل . وبالغ . وصنف إذ ذاك وحدث وأملى في حياة كبار مشايخه . وكان مليح الهيئة حسن الأخلاق بساماً فصيحاً نحوياً لغوياً مقرئاً . سريع القراءة جيد العبارة كثير التفنن صحيح الكتب مكثراً مفيداً حلو المذاكرة حسن العقيدة كافاً عن الدخول في الكلام . سمع من ابن المقير وعلي بن مختار العامري ويوسف ابن عبد المعطي ابن المخيلي والعلم ابن الصابوني وإبراهيم بن الخير البغدادي وابن العليق وأحمد ويحيى ابني قميرة وموهوب ابن الجواليقي وعبد العزيز ابن الزبيدي وهبة اله بن محمد بن مفرج ابن الواعظ وعلي بن زيد البسارسي وظافر بن سحيم المطرز وشعيب ابن الزعفراني المجاور وضيفة بنت عبد الوهاب القرشية وحمزة بن أوس الغزالي ومحمد بن محمد بن محارب القيسي ومحمد بن الجباب وابن عمه أبي الفضل ابن الجباب وابن رواج وابن رواحة عبد الله وأبي الحسن محمد بن ياقوت وابن الجميزي وحسين بن يوسف الشاطبي وعبد العزيز ابن النقار الكاتب ومظفر بن عبد الملك الفوي وأبي علي منصور بن سندان الدماغ ويوسف بن محمود الساوي وعبد الرحمن بن مكي السبط ومحمد بن الحسن السفاقسي خاتمة من سمع حضوراً من السلفي . وسمع بدمشق من عمر ابن البراذعي والرشيد بن مسلمة ومكي بن علان وطبقتهم . وبدمياط من خطيبها الجلال عبد الله . وبحران من عيسى بن سلامة الخياط وبماردين من عبد الخالق بن أنجب الشنتبري . وبحلب من ابن خليل فأكثر لعله سمع منه مايتي ألف حديث . وبالموصل من أبي الخير إياس الشهرزوري صاحب خطيب الموصل . وبمصر من عبد الكريم بن عبد الرحمن الترابي ؛ حدثه عن خطيب الموصل . وعنه عدة من أصحاب السلفي وشهدة وابن عساكر وخلق من أصحاب شاتيل والقزاز وابن بري النحوي وإسماعيل بن عوف ويحيى الثقفي وابن كليب وأصحاب ابن طبرزد وحنبل والبوصيري والخشوعي ونزل إلى أصحاب الكندي وابن ملاعب والافتخار الهاشمي .
وكتب عنه طائفة من رفقائه ومن هو أصغر منه . وعدد معجمه ألف ومايتان وخمسون نفساً . وأجاز له أبو المنجا ابن اللتي وأبو نصر ابن الشيرازي . ويروي بالإجازة العامة عن المؤيد الطوسي وجماعة ومن مصنفاته : كتاب الصلاة الوسطى مجلد لطيف ؛ كتاب الخيل مجلد ؛ وسمعهما منه الشيخ شمس الدين ؛ قبائل الخزرج مجلد ؛ العقد المثمن فيمن اسمه عبد المؤمن مجيليد ؛ الأربعون المتباينة الإسناد في حديث أهل بغداد مجلد ؛ مشيخة البغاددة مجلد ؛ السيرة النبوية مجلد ؛ وله تصانيف غير ذلك وهي مهذبة منقحة تشهد له بالحفظ والفهم وسعة العلم .
حدث عنه الصاحب كمال الدين ابن العديم والإمام أبو الحسين اليونيني والقاضي علم الدين الأخنائي والشيخ أثير الدين أبو حيان والشيخ فتح الدين ابن سيد الناس والحافظ المزي وقاض القضاة تقي الدين السبكي وفخر الدين النويري وخلق كثير من الرحالين . وطال عمره وتفرد بأشياء .
قال المزي : ما رأيت أحفظ منه . قال الشيخ شمس الدين ؛ سمعته يقول : سمعت ابن رواج يقول : قرأ علي السراج بن شحانة : نتف الإبط فحركه بالكسر فقلت له : لا تحركه يفح صنانه ! .
قلت ؛ وقال لي الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس دخل الشيخ على جماعة يقرأون الحديث فسمعهم يقولون : عبد الله بن سلام بتشديد اللام فقال : سلام عليكم سلام . وجمل عن الصنعاني عشرين مجلداً من تصانيفه في الحديث واللغة وسمع جزء ابن عرفة من بضعة وثمانين نفساً بالشام ومصر والعراق والجزيرة وجزء ابن الأنصاري عن أكثر من ماية شيخ وأربى على المتقدمين في علم النسب . وسكن دمشق مدة وأفاد أهلها . وتحول إلى مصر ونشر بها علمه . وكان موسعاً عليه في الرزق وله حرمة وجلالة . وولي مشيخة الظاهرية بين القصرين وما زال يسمع الحديث إلى أن مات فجأة في نصف ذي العقدة وصلي عليه بدمشق غائباً . ومن شعره .
صفي الدين المغني