فإلى من تميل ؟ قلت إلى الأر ... بع لا سيما إلى الفاروق .
ونقلت من خطه ما صورته : أن جماعة من أعيان فضلاء الموصل وقفوا على شيء من النكت التي أنشأتها في أثناء المقامات والرسائل فاقترحوا أن أعمد إلى أبيات من فصيح شعر العرب فأعد حروفها وأنشئ رسالة عدد حروفها بقدر عدد حروف تلك الأبيات جملة وتفصيلاً وأن يكون معنى الرسالة في عرض لهم فملكتهم زمام التخيير في الحالتين فقالوا : قد اقتصرنا على السبعة الأول من فاتحة السبع الطوال فقلت : اسطروها احترازاً من التبديل والاختلاف في إحدى الألفاظ فيقع الخلل فسطروها : الطويل .
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول وحومل .
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها ... لما نسجتها من جنوب وشمأل .
ترى بعر الأرآم في عرصاتها ... وقيعانها كأنه حب فلفل .
كأني غداة البين يوم تحملوا ... لدى سمرات الحي ناقف حنظل .
وقوفاً بها صحبي علي مطيهم ... يقولون لا تهلك أسى وتجمل .
وإن شفائي عبرة إن سفحتها ... وهل عند رسم دارس من معول .
كذا يك من أم الحويرث قبلها ... وجارتها أم الرباب بمأسل .
فلما تعينت الأبيات سألتها تعيين معنى الرسالة . فاقترحوا أن تتضمن استعطاف مخدوم لهم واعتذاراً من ذنب سبق واستنجازاً لوعد منه سلف . فأنشأت : الكريم مرتجى وإن أصبح بابه مرتجاً . والندب يلتقى وإن كان باسه يتقى . والسحب تؤمل بوارقها وإن رهبت صواعقها . ولحلم سيدنا أعظم من اللحن بعتب لسالف ذنب فما فتى شرف الله بلثم كفوفه أفواه العباد يغفر الخطيئة ويوفر العطية . والملوك مقر عرف أنه رب حق بل مالك رق ومقتض من جوده العميم نجاز وعده الكريم فسالف كرمه مقيم لا برح إحسانه شاملاً مدى السنين . إن الله يحب المحسنين .
فلما سطروها وسطروها وعدوا أحرفها واعتبروها سألوا أن أرجع ربعها مأهولاً وأعيدها سيرتها الأولى فنظمت : الطويل .
قفا نبك في أطلال ليلى ونسأل ... دوارسها عن ركبها المتحمل .
وننشد من أدراسها كل معلم ... محاه هبوب الرامسات ومجهل .
ونأخذ عن أترابها من ترابها ... صحيح مقال كالجمان المفصل .
معان هوى أقوى بها دأب بينهم ... كدأبي من تبريح قلب مفلفل .
عفت غير سفع من رواكد جثم ... تحف بشفع من رواكض جفل .
ووشم أو أرى سحيل مريرها ... ليلهى بقاه حول نؤىٍ معطل .
فرفقاً بها رفقاً وإن هي لم تنج ... بلظ ولا تأوي لسائل منزل .
فكل واحد من المقطوعين الشعر والرسالة عدد حروفه مثل الآخر مجملة وتفصيلاً والجملة مائتين وثلاثة وثمانون حرفاً . الألف أحد وأربعون الباء سبعة عشر التاء تسعة الثاء أحد الجيم أربعة الحاء تسعة الخاء أحد الدال ستة الذال أحد الراء خمسة عشر الزاي أحد السين ثمانية الشين اثنين الصاد اثنين الضاد أحد الطاء اثنين الظاء أحد العين ثمانية الغين أحد الفاء اثنا عشر القاف تسعة الكاف سبعة اللام ثمانية وعشرين اللام ألف اثنين الياء تسعة عشر .
وأنشدني له إجازة من قصيدة طويلة ونقلت ذلك من خطه : البسيط .
من نفخة الصور أم من نفخة الصور ... أحييت يا ريح ميتاً غير مقبور .
أم من شذا نسمه الفردوس حين سرت ... علي بليل من الأزهار ممطور .
والريح قد أطلقت فضل العنان به ... طي النسيم بنشر فيه منشور .
في روضة نصبت أغصانها وغدا ... ذيل الصبا بين مرفوع ومجرور .
قد جمعت جمع تصحيح جوانبها ... والماء يجمع فيها جمع تكسير .
والريح ترقم في أمواجها شبكاً ... والغيم يرسم أنواع التصاوير .
والماء ما بين مصروف وممتنع ... والظل ما بين ممدود ومقصور .
والنرجس الغض لم تغضض نواظره ... فزهره بين منغض ومزرور .
كأنه ذهب من فوق أعمدة ... من الزمرد في أوراق كافور