عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع بن ضياء العلامة الإمام مفتي الإسلام فقيه الشام تاج الدين أبو محمد الفزاري البدري المصري الأصل الدمشقي الشافعي الفركاح .
ولد في شهر ربيع الأول سنة أربع وعشرين وست مائة وتوفي سنة تسعين وست مائة . وسمع البخاري من ابن الزبيدي وسمع من ابن ناسويه وابن المنجا وابن اللتي ومكرم بن أبي الصقر وابن الصلاح والسخاوي وتاج الدين ابن حمويه والزين أحمد بن عبد الملك وخرج له البرزالي عشرة أجزاء صغار عن مائة نفس وسمع منه ولده الشيخ برهان الدين وابن تيمية والمزي والقاضي ابن صصرى وكمال الدين الزملكاني وابن العطار وكمال الدين الشهبي والمجد الصيرفي وأبو الحسن الختني والشمس محمد بن رافع الرجبي وعلاء الدين المقدسي والشرف بن سيدة وزكي الدين زكري .
وخرج من تحت يده جماعة من القضاة والمدرسين والمفتيين ودرس وناظر وصنف وانتهت إليه رئاسة المذهب كما انتهت إلى ولده وكان لطيف الحية قصيراً أسمر حلو الصورة ظاهر الدم مفركح الساقين بهما حنف ما وكان يركب البغلة ويحف به أصحابه ويخرج معهم إلى الأماكن النزهة ويباسطهم ويحضر المغاني وله في النفوس صورة عظيمة لدينه وعلمه وتواضع وخيره ولطفه وكان مفرط الكرم وله تصانيف تدل على محله من العلم وتبحره وكانت له يد في النظم والنثر .
تفقه في صغره على الشيخ عز الدين بن عبد السلام . والشيخ تقي الدين ابن الصلاح وبرع في المذهب وهو شاب وجلس للاشتغال وله بضع وعشرون سنة ودرس سنة ثمان وأربعين وكتب في الفتاوى وقد كمل الثلاثين . ولما قدم النووي من بلده أحضروه ليشتغل عليه فحمل همه وبعث به إلى مدرس الرواحية ليصح له بها بيت ويرتفق بمعلومها وكانت الفتاوى تأتيه من الأقطار وإذا سافر إلى زيارة القدس ترامى أهل البر على ضيافاته . وكان أكبر من الشيخ محيي الدين النووي بسبع سنين وهو أفقه نفساً وأذى وأقوى مناظرة من الشيخ محيي الدين بكثير وقيل إنه كان يقول : أيش قال النووي في مزيلته - يعني الروضة - وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام يسميه الدويك لحسن بحثه .
وقرأ عليه ولده برهان الدين وكمال الدين ابن الزملكاني وكمال الدين الشهبي وزكي الدين زكري وكان قليل المعلوم كثير البركة لم يكن له إلا تدريس الباذرائية مع ما له على المصالح . دفن بمقابر باب الصغير وشيعه الخلق وتأسفوا عليه عاش ستاً وستين سنة وثلاثة أشهر . وله الإقليذ في شرح التنبيه وهو جيد وكشف القناع في حل السماع وله شرح الوسيط في نحو عشرة أسفار ومن شعره لما انجفل الناس سنة ثمان وخمسين : البسيط .
لله أيام جمع الشمل ما برحت ... بها الحوادث حتى أصبحت سمرا .
ومبتدا الحزن من تاريخ مسألتي ... عنكم فلم ألق لا عيناً ولا خبرا .
يا راحلين قدرتم فالنجاء لكم ... ونحن للعجز لا نستعجز القدرا .
ومنه : الخفيف .
يا كريم الآباء والأجداد ... وسعيد الإصدار والإيراد .
كنت سعداً لنا بوعد كريم ... لا تكن في وفاته كسعاد .
وكتب الشيخ تاج الدين إلى زين الدين عبد الملك بن العجمي ملغزاً في اسم بيدرا : البسيط .
يا سيداً ملأ الآفاق قاطبة ... بكل فن من الألغاز مبتكر .
ما اسم مسماه بدرٌ وهو مشتمل ... عليه في اللفظ إن حققت في النظر .
وإن تكن مسقطاً ثانية مقتصراً ... عليه في الحذف أضحى واحد البدر .
فكتب الجواب : البسيط .
يا أيها العالم الحبر الذي شهدت ... له فضائله في البدو والحضر .
مقلوب خمسي مسمى أنت ملغزه ... يطوف ظاهره نعتاً على البشر .
وما بقي منه وحشي مصحفه ... من بعد قلبٍ بعكس عند ذي البصر .
هذا اسم من صار سلطان الملاح وقد ... جلاه وصفك إذ حلوه بالدرر .
ومن شعر الشيخ تاج الدين : .
ما أطيب ما كنت من الوجد لقيت ... إذ أصبح بالحبيب صباً وأبيت .
واليوم صحا قلبي من سكرته ... ما أعرف في الغرام من أين أتيت .
ابن أبي عمر المقدسي