ولد سنة ثمان وعشرين وست ماية وتلا على الفاسي وسمع ابن علاق وابن العديم وجماعة وقرأ بنفسه وتميز وصنف قال الشيخ شمس الدين : أخذت عنه مباحث وسمعنا منه وتوفي C تعالى سنة خمس وسبع ماية .
ابن الصايغ الأندلسي محمد بن باجة .
وقيل ابن يحيى بن باجة أبو بكر التجيبي الأندلسي السرقسطي المعروف بابن الصايغ الفيلسوف الشاعر المشهور ذكره صاحب القلايد في كتابه وقال في حقه : رمد جفن الدين وكمد قلب اليقين نظر في تلك التعاليم وفكر في إجرام الأفلاك وحدود الأقاليم ورفض كتاب الله الحكيم ونبذه وراء ظهره ثايناً من عطفه وأراد أبطال ما لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه واقتصر على الهيئة وانكر أن يكون لنا إلى الله معاد وفية ولعمري ما خلا كلامه في حقه من حظ نفس فقد بالغ وقد ذكرت سبب هذا في ترجمة الفتح بن خاقان فليوخذ من هناك وأورد له من شعره : .
اسكان نعمان الأراك تيقنوا ... بأنكم في ربع قلبي سكان .
ودوموا على حفظ الوداد فطالما ... بلينا بأقوام إذا استؤمنوا خانوا .
سلوا الليل عني مذ تناءت دياركم ... هل اكتحلت بالغمض لي فيه أجفان .
وهذه الأبيات موجودة في ديوان ابن حيوس ومن شعره : .
ضربوا القباب على إقاحة روضة ... خطر النسيم بها ففاح عبيرا .
لا والذي صاغ الغصون معاطفاً ... لهم وصاغ الأقحوان ثغورا .
ما مر بي ريح الصبا من بعدهم ... إلا شهقت له فعاد سعيرا .
ولما حضرته الوفاة في شهر رمضان سنة ثلث وثلثين وقيل خمس وعشرين وخمس ماية وكان قد ستم في باذنجان بفاس كان ينشد : .
أقول لنفسي حين قابلها الردى ... فراغت فراراً منه يسرى إلى يمنى .
قفي تحملي بعض الذي تكرهينه ... فقد طالما اعتدت الفرار إلى هنا .
وقد ناقض ابن خافان في ترجمى ابن باجة ما قاله الكاتب أبو عمرو عثمان بن علي ابن عثمان الأنصاري في كتاب سمط الجمان وسقط الأذهان حيث ذكر ابن باجة فقال في حقه : الوزير الأديب الكاتب الماهر الطبيب الفيلسوف الجهبذ الأريب أبو بكر ابن الصايغ سر الجزيرة إذا تهندست وجهبذها إذا تنطست ومنير محاسنها إذا ادلهمت وعسعست لولاه ما سفرت عن شريق ولا اهتدت إلى الرياضيات سمت طريق ولا ضربت بعرق في البرهانيات عريق به شاركت في الدقايق الرقاق وعليه فيها وقع الآصفاق وعنه عرف ثقيل الحجاز وخفيف العراق وأما آدابه فالرياض العرايس والاعلاق النفايس وأما أقلامه فالرماح الخطية والغصون الموايس اطلعت لهاذمها كل عريب واسمعت اغصانها شجو الورقاء وطرب العندليب وما عسى أن يقال في الفتح وسيره تصغر عن الثلب والقدح غير أنه لما ارهف شباته واحضر أقلامه ودواته جعل نفسه الخبيثة مرآته فأردته معايبه ونثلت بين يديه مثالبة فسطرها في كتاب ونسقها نسق حساب وما شعر أنه أخر وقدم وكم غادر من متردم ولمز بما لم يتستر عن اتيان نكره وعرض بما صرح هو في صحو القبيح وسكره واعتمد القمر بنباحه ورجم المعالي بسلاحه ولكنهما قد صارا أثراً بعد عين وللحاكم بين الرجلين بيت أبي الطيب أحمد بن الحسين وسأثبت من كلامه الرقيق ونظامه الرايع الأنيق ما ترتدي به ذكاء ويود لو يجتذبه في روضته المكاء ويقيم به سوقه الطرب المستقر والبكاء فمن ذلك : .
خليلي لا والله ما القلب سالم ... وأن ظهرت مني شمايل صاح .
وإلا فما بالي ولم أشهد الوغى ... أبيت كأني مثخن بجراح .
وله : .
تراءى أمام الركب ركب محصب ... ومن دونه أعداؤه ووشاته .
فأرسلت فيها نظرة ما تخلصت ... من الجفن حتى بلها عبراته .
ونازعني فضل التفاتي مشمر ... يسايب أين الخيف أو عرفاته .
ولما مات ابن باجة C تعالى وقف على قبره أبو بكر ابن الحمارة وأنشد : .
يا صاحب القبر القريب ودونه ... هم تبيت له الكواكب تسهر .
قم أن أطقت وهات عن صور الردى ... خبراً فقد عاينت كيف تصور .
وأخبر عن الملكوت كيف رأيته ... أن الغريب عن الغرايب يخبر