عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان وقيل : عبد الله بن عمر - على وزن زفر ممنوعاً من الصرف . هو العرجي - بفتح العين المهملة وسكون الراء وبهدها جيم . كان يسكن عرج الطائف . وهو من شعراء قريش المشهورين بالغزل . نحا نحو عمر بن أبي ربيعة وأجاد وكان مشغوفاً باللهو والصيد وكان ذا مروءةٍ ولم تكن له نباهةٌ في أهله . كان يتعرض لأم الأوقص وهو محمد بن عبد الرحمان المخزومي فمر يوماً ببطن النقيع فنظر إليها وكانت متى رأته رمت بنفسها إلى الأرض وتسترت منه وهي امرأةٌ من بني تميم فبصر بها في نسوةٍ جالسة يتحدثن فأحب أن يتأملها من قرب فلقي أعرابياً من بني نصر ومعه وطبا لبن فدفع إليه دابته وثيابه وأخذ قعوده ولبنه ولبس ثيابه وأقبل على النسوة فصحن به : يا أعرابي أمعك لبنٌ ؟ قال نعم ومال إليهن وجلس يتأمل أم الأوقص وتواثب من معها إلى الوطبين وجلس العرجي يلحظها وينظر أحياناً إلى الأرض فقالت امرأةٌ منهن : أي شيء تطلب في الأرض يا أعرابي ؟ قال : قلبي ! .
فلما سمعته التميمية نظرت إليه وكان أشقر أزرق جميل الوجه . فقالت : العرجي بن عمرو ورب الكعبة وسترها نساؤها ! .
وقلن : لا حاجة لنا في لبنك فمضى منصرفاً وقال : من الوافر .
أقول لصاحبي ومثل ما بي ... شكاة المرء ذي الوجد الأليم .
إلى الأخوين مثلهما إذا ما ... تأوبه مؤرقة الهموم .
لحيني والبلاء لقيت ظهراً ... بأعلى النقع أخت بني تميم .
فلما أن رأت عيناي منها ... أسيل الخد في خلقٍ عميم .
وعيني جؤذرٍ خرقٍ وثغراً ... كلون الأقحوان وجيد ريم .
حنا أترابها دوني عليها ... حنو العائدات إلى السقيم .
ومن شعره : من الوافر .
أضاعوني وأي فتىً أضاعوا ... ليوم كريهةٍ وسداد ثغر .
فصبراً عند معترك المنايا ... وقد شرعت أسنتها بنحري .
أجرر في الجوامع كا يومٍ ... فيا الله مظلمتي وصبري .
كأني لم أكن فيهم وسيطاً ... ولم تك نسبتي في آل عمرو .
وهذه الأبيات قالها وهو في الحبس لأنه كان قد لاحى مولىً لأبيه فأمضه العرجي فأجابه المولى بمثل ما قاله فأمهله حتى إذا كان الليل أتاه مع جماعةٍ من مواليه وعبيده فهجم عليه في منزله وأوثقه كتافاً ثم أمر عبيده أن ينكحوا زوجته بين يديه ثم قتلته وأحرقه بالنار . فاستعدت المرأة على العرجي إلى محمد بن هشام وكان والياً على مكة في خلافة هشام وكان العرجي قد هجاه قبل ذلك هجواً كثير لما ولاه هشام الحج وتشبب بأمه وامرأته فأمض ذلك محمداً ولم يزل يطلب عثراته حتى وجدها فلما وجد هذه الحجة عليه أخذه وأخذ معه الحصين الحميري وجلدهما وصب على رؤوسهما الزيت وأقامها في الحناطين بمكة فقال العرجي أبياتاً منها : من الوافر .
وكم من عاكبٍ حوراء بكرٍ ... ألوف الستر واضحة التراقي .
بكت جزعاً وقد سمرت كبولي ... وجامعةٌ يشد بها خناقي