وهو جد بني أسباط لأمهم فنسبو إليه . ذكر عبد الله هذا ابن رشيق في الأنموذج وقال : كان حاذقاً مليح الكلام غريب القوافي ظريف المعاني قليل الشعر لا يتبذل به . ومن شعره : من الخفيف .
ساءني الدهر مرةً بعد مرة ... فتكسبت حنكة بعد غره .
وإذا ساءك الزمان فأبشر ... فعلى عقب ذاك يأتي المسره .
إن تدم كرة الزمان علينا ... فلنا بعد كرّة الدهر كرّه .
من ذنوب الزمان عندي أني ... لم أسامح فيه بمثقال ذره .
غير أني صحبته لم أفارق ... فيه حمداً ولا صحبت معره .
ومنه : من الكامل المرفل .
يا من يحملني ذنوبه ... ظلماً ويفرط في العقوبه .
يا ليت شعري ما الذي ... أرجوه منك من المثوبه .
إن كنت تطلب مهجتي ... خذها فها هي قريبه .
يكفيك أنك سقتها ... للموت سامعةً مجيبه .
ومنه : من مجزوء البسيط .
قال الخلي الهوى محالٌ ... فقلت لو ذقته عرفته .
فقال هل غير شغل سرٍّ ... إن أنت لم ترضه صرفته .
وهل سوى زفرةٍ دمعٍ ... إن لم ترد جريه كففته .
فقلت من بعد كل وصفٍ ... لم تعرف الحب إذ وصفته .
قلت : شعرٌ جيد عذبٌ منسجم .
جمال الدين بن غانم عبد الله بن علي بن محمد بن سلمان هو جمال الدين بن غانم ابن الشيخ علاء الدين . تقدم تمام نسبه في ترجمة عمه شهاب الدين أحمد بن محمد . الكاتب الناظم الناثر المترسل . كان شاباً حسن الشكل مليح الوجه جيد الكتابة في الدرج مع قوةٍ وأصالة وتسرع في الإنشاء . يكتب من رأس قلمه وله غوصٌ في نثره ونظمه . مولده في شوال سنة إحدى عشرة وسبعمائة . وتوفي في أواخر شوال سنة أربعٍ وأربعين وسبعمائة رحم الله شبابه ويسر حسابه . مرض في مدة عمره مرضاً حاداً مرات ونجاه الله منها ثم إنه حصل له سلعةٌ قرحت منها قصبة الرئة وبقي متمرضاً من ذلك يصح آونةً ويعتل أخرى إلى أن قضى نحبه . وكان قد كتب إلي وقد انقطع في بعض علته هذه ولم أعده من أبيات عتاب : من الكامل .
مولاي كيف كسرتني فهجرتني ... علماً بأني كيف كنتم راضي .
أو قلت إني لا أعود ممرضاً ... ظناً بأني لا محالة ماض .
فكتب الجواب إليه عن ذلك : من الكامل .
أرسلتها مثل السهام مواضي ... نفذت من الأعراض في أعراض .
فأتت وعتبك قد تخلل لفظها ... مثل الأفاعي بين زهر رياض .
دعني من الجبروت أو من أهله ... لا تجعلن سوادهم كبياضي .
حاشاك أن تمضي وسعدك قد غدا ... مستقبلاً فينا وأمرك ماض .
وقلت أرثيه C تعالى : من الكامل .
تبكي الطروس عليك والأقلام ... وتنوح فيك على الغصون حمام .
يا من حواه اللحد غضاً يانعاً ... وكذا كسوف البدر وهو تمام .
يا وحشة الديوان منك إذا غدت ... فيه مهمات البريد ترام .
من ذا يوفيها مقاصدها على ... ما يقتضيه النقض والإبرام .
هيهات كنت به جمالاً باهراً ... فعليه بعدك وحشةٌ وظلام .
أسفي على الإنشاء وهو بجلقٍ ... نثاره قد مات والنظام .
كم من كتاب سار عنك كأنه ... بردٌ أجاد طرازه الرقام .
إن كان في شرٍّ فقد رد الردى ... وبه ترفه ذابلٌ وحسام .
لم لا يرد البأس ما ألفاته ... مثل القنا واللام منه لام .
أو كان في خيرٍ فكل كلامه ... دررٌ يؤلف بينهن نظام .
وكأنما تلك السطور إذا بدت ... كأسٌ ترشف راحها الأفهام .
يهتز عطف أولي النهى لبيانه ... فكأن هاتيك الحروف مدام .
كم فيه وجهٌ سافرٌ مثل الضحى ... وعليه من ليل السطور لثام .
ولكم كتبت مطالعات خدهاقانٍ وثغر فصولها بسام وكأنما ألفاتها قضب اللوى وكأنما همزاتهن حمام .
ما كنت إلا فارس الكتاب في ... يومٍ تفرج ضيقه الأقلام