عبد الله بن علي بن الحسين بن عبد الخالق بن الحسين بن الحسن بن المنصور الصاحب الكبير الوزير صفي الدين بن شكر أبو محمد الشيبي المصري الدميري المالكي . ولد سنة ثمان وأربعين وتوفي سنة اثنتين وعشرين وستمائة . تفق على أبي بكر عتيق البجائي وتخرج به ورحل إلى الإسكندرية وتفقه على شمس الإسلام أبي القاسم مخلوف بن جبارة وسمع منه ومن السلفي وجماعة . وحدث بدمشق ومصر . وروى عنه الزكي المنذري والشهاب القوصي . وكان مؤثراً لأهل العلم والصالحين كثير البر لهم والتفقد لا يشغله ما هو فيه من كثرة الأشغال عن مجالستهم ومباحثتهم وأنشأ مدرسةً قبالة داره بالقاهرة وبنى مصلى العيد بدمشق وبلط الجامع وأنشأ الفوارة وعمر جامع المزة وجامع حرستا . قال الموفق : هو رجل طوال تام القصب فعمها دري اللون مشرق بحمرة له طلاقة محياً وحلاوة لسانٍ وحسن هيئة وصحة بنية ذو دهاءٍ مفرط في هوجٍ وخبثٌ في طيش مع رعونةٍ مفرطة وحقد لا تخبوا ناره ينتقم ويظن أنه لم ينتقم فيعود وينتقم لا ينام عن عدوه ولا يقبل منه معذرةً ولا إنابةً ويجعل الرؤساء كلهم أعداء ولا يرضى لعدوه بدون الهلاك لا تأخذه في نقماته رحمة . استولى على العادل ظاهراً وباطناً ولم يمكن أحداً من الوصول إليه حتى الطبيب والفراش والحاجب عليهم عيون فلا يتكلم أحد منهم فضل كلمةٍ . وكان لا يأكل من الدولة فلساً ويظهر الأمانة فإذا لاح له مالٌ عظيم احتجنه . وعملت له قبسة العجلان فأمر كاتبها أن يكتبها ويردها وقال : لا نحتسل أن نأخذ منك ورقاً ! .
وكان له في كل بلدٍ من بلاد السلطان ضيعةٍ أو أكثر في مصر والشام إلى خلاط وبلغ ذلك مجموع مغله مائة ألف وعشرين ألف دينار . وكان يكثر الإدلال على العادل ويسخط أولاده وخواصه فكان العادل يترضاه بكل ممكنٍ وتكرر ذلك منه إلى أن غضب منه على حران . فأقره العادل على الغضب وأعرض عنه وظهر له منه فسادٌ فأمر بنفيه عن مصر والشام فسكن آمد وأحسن إليه صاحبها فلما مات العادل عاد إلى مصر ووزر للكامل وأخذ في المصادرات وكان قد عمي مات أخوه ولم يتغير ومات أولاده وهو على ذلك . وكان يحم حمى قويةً ويأخذه النافض وهو في مجلس السلطان ينفذ الأشغال ولا يلقي جنبه إلى الأرض وكان يقول : ما في قلبي حسرة إلا أن ابن البيساني ما تمرغ على عتباتي يعني القاضي الفاضل وكان ابنه يحضر عنده وهو يشتمه فلا يتغير وداراه أحسن مداراة وبذل له أموالاً جمةً . وعرض له إسهالٌ وزحير أنهكه حتى انقطع ويئس الأطباء منه فاستدعى من حبسه عشرةً من شيوخ الكتاب وقال : أنتم تشتمون بي وركب عليهم المعاصير وهو يزحر وهم يصيحون إلى أصبح وقد خف ما به وركب في ثالث يومٍ وكان يقف الرؤوساء على بابه من نصف الليل ومعهم المشاعل والشمع ويركب عند الصباح فلا يراهم ولا يرونه إما أنه يرفع رأسه إلى السماء وإما يعرج إلى طريقٍ أخرى . وفيه يقول شرف الدين ابن عنين - فيما أظن : من الخفيف .
ضاع شعري وقل في الناس قدري ... من لزومي باب اللئيم ابن شكر .
لو أتته حوالةٌ بخراه ... قال سدوا بلحيتي باب جحري .
وفيه يقول : من السريع .
ونعمةٍ جاءت إلى سلفةٍ ... أبطره الإثراء لما ثرا .
فالناس من بغضٍ له كلما ... مر عليهم لعنوا شاورا .
تباً لمصر ولها دولةً ... ما رفعت في الناس إلا خرا .
ومما قيل فيه وقد عزل : من الخفيف .
أين غلمانك المطيفون بالبغ ... لة والرافعون للأثواب .
ردك الدهر كالنداء على الني ... ل بلا حاجبٍ ولا بواب .
وكان السبب في انحرافه عن القاضي الفاضل C تعالى ما قاله القاضي الفاضل وهو : وأما ابن شكر فهو لا يشكر وإذا ذكر الناس كان كان الشيء الذي لا يذكر ! .
فقيل للفاضل : ما هو الشيء الذي لا يذكر ؟ قال الشيء الذي لا يذكر . وتوفي الفاضل C وقد عصمه الله منه لم يمكنه منه على ما يأتي في ترجمة القاضي الفاضل إن شاء الله تعالى . وفي ابن شكر يقول ابن شمس الخلافة وقيل إنه قال ذلك في الفاضل : من الكامل .
مدحتك ألسنة أنام مخافةً ... وتقارضت لك في الثناء الأحسن .
أترى الزمان مؤخراً في مدتي ... حتى أعيش إلى انطلاق الألسن