فعقدنا الحبا وجنبنا الجنايب وركبنا الصبا وتسلمتنا من يد الربوة يد الوهاد والربا وكان توجهنا حين أكثرت الجبال من الثلوج الاكتساء والاكتساب وبفضلٍ فتحت فيه السماء أبوابها بما ليس لفصوله عن تلك المواطن من فصول ولا لأكوابه المترعة دائماً بجميع الفصول من بوابٍ فعدنا إلى جهة حمص وإن لم يعجبنا العام وقلنا كل ذلك متغفرٌ في جنب ما أشارته مصلحة الإسلام المختصة بالخاص منهم والعام واستقبلنا تلك النواحي المتناوحة والمنازل المنتائية على المنازل المتنازحة برقة جلودٍ تتجالد على الجليد وأواجهٍ تواجه من تلك الجهات ما ورود حياض المنون به أقرب من حبل الوريد . كم التقت الشمس بقارةٍ من قرها بفروة سنجابٍ من الغمام وكم غمضت عينها عمن لم يغمض جفونه بمناخٍ ولا مقام وكم سبكت الرياح الزمهريرية فضة ثلوجها فصحت عند السبك وكم خبرٍ من امرئ القيس أنشد عند النبك قفا نبك هذا والزميتا قد ادهنت بها رؤوس الأكمام وقال الفراشون : ما الديار ديار - لما لاقوه - ولا الخيام خيام . كأنه نصول المشيب في المفارق أو رملٌ أبيض قد أتربت به سطور تلك المهارق إلى غير ذلك من نوك كأنه من السماء والأرض بحرٌ فاض وغاض الشمس وما غاض . قد أصبح عجاج خيول الجنائب ودخان ما خيلته من صفاء الماء مجامر الكواكب وثلوج بقاصم تظهر ولأعين تلك المحاجر من العواصم تبهر فدافعت الهضبات ملائتها البيضاء وأتت من الإيلام ببردها بأضعاف ما يحصل من حر رمضاء حر رمضاء . فكم أنامل يدٍ هنالك قعدت القرفصاء على الطروس واشتلمت الصماء اشتمال اليمن والشمال على النفيس من النفوس . وعجزت عن أن تطبيق للأقلام إمساكاً وكم من مرملةٍ اشتبكت دموعها بخدودها فما تبين من بكى ممن تباكى . فلم نصل إلى حمص إلا والجليد قد أعدم الجليد صبره وعبر تلك الأمكنة فجرت له على أخدود تلك الخدود عبرة وأي عبرة . واعتدقت الآمال أنها قد قربت من منازه تلك المنازل وأنها من حماه تغامز عيون الدعة وتغازل وأن نار القرى تزيل برد القر وتستجيب دعاء من نادى هناك رب إني مستني الضر . وقالت عسى ثم أن تستقر النفس وتؤدي الأقلام بذلك ما وجب عليها من سورتي الحمد والإخلاص عند ملازمتها الخمس فاتفق ما اتفق من نصرةٍ حققت الكرة وأعادت الرجعة كما بدأتها أول مرة وسقيت بكأس التعب التي كانت بها سقت وبكت السماء بالدموع التي كانت قد رقت لنا ورقت وعاد الحبل على الجرارة والكيل إلى حبل الكارة فدخلنا إلى دمشق وإذا أغصانها قد ألقت عصاها وما استقر بها من الثمر والنوى وأوراقها قد اصفرت وجوهها من الهواء والهوى وحمائهما لم تحمل منه الليالي فخلعت ما لها بالأعناق من الأطواق والنهر قد توقف عن زيادة الغصون فراسلته بالأوراق فقالت العين ما الديار الديار ولا الرياض الرياض ولا المشارع المشارع ولا الحياض الحياض . فشمرنا عنها ذيل الإقامة وقلنا للعزم شأنك ومصر دار المقامة فقطعنا بيداً وأي بيد ومنازل تستعبر السيد وتستعبر السيد ورمالاً هي الأفاعي خدور وللنسور وكور ولم يصدق فيها تشبيهٌ يقال بالأهلة ولا آثار أخفاف المطي بالبدور تستوقف الساري ويسعى الساعي منها على شفا جرفٍ هار يسقى من المياه ماءً يغلي في البطون كغلي الحميم ويكفر شربه شرب الماء البارد الذي قال بعض المفسرين إنه الذي عنى الله تعالى بقوله " ولتسألن يومئذ عن النعيم " وما زال الشوق بنا والسوق حتى قربا البعيد حتى فلينا بهما الفلاة وأبدنا البيد ودخلنا مصر فتلقانا نيلها مصعراً خده للناس وقلنا هذا الذي خرج إلينا عن المقياس وشاهدنا ربوعها وقد فرشت من الربيع بأحسن بسطها وبدت كل مقطعة من النيل قد زينت بما أبدته من قرطها وتنشقنا رياحها الهابة بما ترتاح إليه الأرواح وشمنا بروق غمائمها التي التي لم تغادر في القلوب من القر قروحاً لا تتعقبه لما تلقيه من الماء القراح لا يكلح الجليد أوجه بكرها ولا يهتم المدر ثنايا نهرها ولا يوقظ راقد سمرها ولا تغير على أهلها القوانين ولا يحتاج إلى التدفي في الكوانين بنيران الكوانين . كل أوقاتها سحر وآصالها بكر وطول زمانها ربيع لا يشان من اللواقح الكوالح ببرد ولا يشان من النوافح اللوافح بحر . غنينت بنيلها الخصم عن كل دانٍ مسفٍ فويق الأرض هيدبه وعن كل نادي ارتدادٍ نحيف العزالة قطربه . فلما حصلنا هناك قالت النفس