عبد الله بن الصنيعة المصري . الصاحب شمس الدين . كان مستوفي الخزانة بالديار المصرية ثم إنه ولي نظر البيوت بعد ذلك . وكان له الخزانة في أيام السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين ثم إنه بعد نظر البيوت بالديار المصرية حضر إلى دمشق وولي نظر الجامع الأموي ثم نقل إلى نظر النظار بدمشق وانتمى إلى الأمير سيف الدين تنكز C وتمسك به فطالت أيامه وامتدت ورزق السعادة العظيمة في مباشرته . وكانت أيامه للمباشرين كأنها أحلامٌ لأمنها وكثرة خيرها وكان كلما انتشا أحدٌ من الأمراء الخاصكية بمصر خدمه وباشر أموره في الشام بنفسه فكان أولئك يعضدونه ويقيمونه وإذا جاء أحدٌ من ممالكهم أو من جهتهم نزل عنده وخدمه وكان مرجع دواوينهم إليه وأموالهم تحت يده يتجر لهم فيها مثل بكتمر الساقي وقوصون وبشتاك وغيرهم كل من له علاقة الشام لا يخرج الحديث عنه . وكان هو والقاضي كريم الدين متعاضدين جداً ودامت أيامهما مدةً وتولى نظر الدولة مع الجمالي الوزير بالديار المصرية مدة تزيد على السنة ونصف فيما أظن ثم إنه سعى وعاد إلى نظر دمشق وأقام بها إلى سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة فتنكر السلطان له وتغير عليه الأمير سيف الدين تنكز فورد المرسوم بالقبض عليه فأمسك بدمشق وأخذ منه أربعة مائة ألف درهم ثم إنه طلب إلى مصر وأخذ خطه بألف ألف درهم وأفرج عنه فوزن ذلك وبقي عليه ما يقارب المائتي ألف درهم فاستطلق قوصون له ذلك من السلطان . ثم إن السلطان غير خاطره عليه وقيل إن له ودائع في دمشق فكتب السلطان إلى تنكز قتتبع ودائعه وظهر له شيء كثيرٌ فحمل إلى السلطان . ولما مات في شوال سنة أربع وثلاثين وسبعمائة وقع اختلاف بين أولاده في الميراث فطلع ابنه صلاح الدين بوسف - ولم يكن له ولدٌ ذكرٌ غيره - إلى السلطان ونمّ على أخواته فأخذ منهم شيء كثير من الجوهر فيرى الناس أن الذي أخذ من ماله أولاً وآخراً ما يقارب الألفي ألف درهم . ولم يحك عنه أنه نكب ظاهراً مدة عمره إلا هذه النكبة التي مات فيها ولم يرم أحدٌ عليه عود ريحانٍ ولا ضرب ولا أهين . وكان في دمشق في المدرسة والترسيم الذي عليه أمير طبلخاناه يعرف بعلاء الدين المرتيني ولما أفرج عنه بدمشق خرج الناس له بالشمع وفرحوا به فرحاً عظيماً ولم يشك أحدٌ عليه أبداً . وقد باشر نظر الدواوين مدة تزيد على أربعٍ وعشرين سنة ولما طلب إلى مصر أنزل في الطبقة التي على دار الوزارة وكان هناك قاعداً على مقاعد سنجاب وسرسينا وغير ذلك . والأمير علاء الدين ابن هلال الدولة شاد الدواوين والأمير صلاح الدين الدوادار والقاضي شرف الدين النشو ناظر الخاص يترددون إليه في الرسائل عن السلطان إلى أن كتب خطه بما طلب منه ونز إلى بيته عزيزاً كريماً وكانت أيامه بدمشق كأنها مواسم والخير يتدفق وأموال السلطان كثيرة وكان فيه سترٌ وحلمٌ وما وقع لأحدٍ من الدماشقة الكبار واقعةٌ إلا ورقع خرقها وسد خللها على أحسن الوجوه وعمر جامعاً على باب شرقي عند دير القعاطلة ووقف عليه وقفاً . وعمر بالرحبة بيمارستاناً وعمر بكرك نوح بالبقاع طهارةً وأجرى الماء هناك في قناةٍ . ولما مات كان في عشر الثمانين وعمل بعد موته محضرٌ بأنه بأنه خان في مال السلطان واشترى به أملاكاً وقفها وليس له ذلك ! .
وشهد بذلك كمال الدين مدرس الناصرية وابن أخيه القاضي عماد الدين ناظر الجامع وعلاء الدين ابن القلانسي وعز الدين ابن المنجا وتقي الدين ابن مراجل وآخرون وامتنع عز الدين ابن القلانسي ناظر الخزانة . ونظر المحضر وأريد بيع أملاكه فوقف قوصون للسلطان للسلطان في ذلك واستطلقها لأولاده . وكان يسمع البخاري في ليالي رمضان وليلة ختمة يحتفل بذلك ويعمل مولد النبي A في كل سنة ويحضره كبار الأمراء والفقهاء والقضاة والمتعممين والمحتشمين ويظهر تجملاً زائداً ويخلع على الذي يقرأ المولد . وكتبت أنا إليه لما عمّر البيمارستان بالرحبة أبياتاً وهي : من الكامل .
يا سيد الوزراء ذكرك قد علا ... فكأنه حيث اغتدى كيوان .
لك جامع بدمشق أضحى جامعاً ... للفضل فيه الحسن والإحسان .
وأمرت أن يبنى برحبة مالكٍ ... من جودك المبرور مارستان