عبد الله بن إسحاق أبو محمد بن التبان الفقيه المالكي عالم أهل القيروان في زمانه . قال القاضي عياض : ضربت إليه آباط الإبل من الأمصار لذبه عن مذهب أهل المدينة . وكان حافظاً بعيداً من التصنع والرباء . توفي سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة .
عبد الله بن أسعد .
ابن الدهان عبد الله بن أسعد بن عيسى بن علي بن الدهان الجزري الموصلي ويعرف بالحمصي . مهذب الدين الفقيه الشافعي الأديب الشاعر أبو الفرج مات بحمص سنة إحدى وثمانين وخمسمائة . دخل يوماً على نور الدين بن زنكي فقال له : كيف أصبحت ؟ فقال : كما لا يريده الله ولا رسوله ولا أنت ولا أنا ولا ابن عصرون ! .
فقال له : كيف ؟ فقال : لأن الله تعالى يريد مني الإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة ولست كذلك وأما رسوله فإنه يريد مني ما يريد الله مني ولست وكذلك وأما أنت فإنك تريد مني أن لا أسألك شيئاً من الدنيا ولست كذلك وأما أنا فإنني أريد لنفسي أن أكون أسعد الناس وملك الدينا بأجمعها ولي بالدنيا بأسرها ولست كذلك وأما ابن عصرون فإنه يريد مني أن أكون مقطعاً إرباً إرباً ولست كذلك ! .
فكيف يكون من أصبح لا كما يريد الله ولا رسوله ولا سلطانه ولا نفسه ولا صديقه ولا عدوه ! .
فضحك منه وأمرله بصلة . تقلبت به الأحوال وتولي التدريس بحمص فلهذا نسب إليها . وكان لما ضاقت به الحال عزم على قصد الصالح بن رزيك وزير مصر وعجز عن استصحاب زوجته فكتب إلى الشريف أبي عبد الله زيد بن محمد بن محمد بن عبيد الله الحسيني نقيب العلويين بالموصل هذه الأبيات : من البسيط .
وذات شجوٍ أسال البين عبرتها ... باتت تؤمل بالتفنيد إمساكي .
لجت فلما رأتني لا أصيخ لها ... بكت فأقرح قلبي جفنها الباكي .
قالت وقد رأت الأجمال محدجةً ... والبين قد جمع المشكو والشاكي .
من لي إذا غبت في ذا المحل قلت لها ... الله وابن عبيد الله مولاك .
لا تجزعي بانحباس الغيث عنك فقد ... سألت نوء الثريا جود مغناك .
فتكفل الشريف المذكور لزوجته بجميع ما تحتاج إليه مدة غيبته عنها . قال العماد الكاتب : ولما وصل السلطان صلاح الدين إلى حمص وخيم بظاهرها خرج إلينا أبو الفرج المذكور فقدمته للسلطان وقلت له : هذا الذي يقول في قصيدته الكافية في ابن رزيك : من البسيط .
أأمدح الترك أبغي الفضل عندهم ... والشعر ما زال عند الترك متروكا .
فأعطاه السلطان شيئاً وقال : حتى لا يقول : إنه متروك عند الترك ! .
ثم إنه أمتدح السلطان بقصيدته العينية التي يقول فيها : من الكامل .
قل للبخيلة بالسلام تورعاً ... كيف استبحت دمي ولم تتورعي .
وزعمت أن تصلي بعامٍ قابلٍ ... هيهات أن أبقى إلى أن ترجعي .
أبديعة الحسن التي في وجهها ... دون الوجوه عنايةٌ للمبدع .
ما كان ضرك لو غمزت بحاجبٍ ... يوم التفرق أو أشرت بإصبع .
وتيقي أني بحبك مغرمٌ ... ثم اصغي ما شئت بي أن تصنعي .
ومن شعر ابن الدهان : من الكامل .
تردي الكتائب كتبه فإذا انبرت ... لم تدر أنفذ أسطراً أم عسكرا .
لم يحسن الإتراب فوق سطورها ... إلا لأن الجيش يعقد عثيرا .
ومنه : من الكامل .
يضحي يجانبي مجانبة العدا ... ويبيت وهو إلى الصباح نديم .
ويمر بي يخشي الرقيب فلفظه ... شتمٌ وغنج لحاظه تسليم .
ومنه في غلامٍ لسعتة نحلةٌ في شفته : من الرمل .
بأبي من لسبته نحلةٌ ... آلمت أكرم شيءٍ وأجل .
أثرت لسبتها في شفةٍ ... ما يراها الله إلا للقبل .
حسبت أن بفيه بيتها ... إذا رأت ريقته مثل العسل .
ومن شعر ابن الدهان : من البسيط .
كأن مقلته صادٌ وحاجبه ... نونٌ وموضع تقبيلي له ميم .
فصرت أعشق منه في الورى صنماً ... وعاشق الصنم الإنسي محروم .
ومنه أيضاً : من البسيط .
مولاي لابت في ضري ولا سهري ... ولا لقيت الذي ألقى من الفكر .
باتت لوعدك عيني وهي ساهرةٌ ... والليل حي الدياجي ميت السحر