عاتكة بنت الفرات بن معاوية البكائي وأمها الملاءة وسوف يأتي ذكرها إن شاء الله في حرف الميم في مكانه ؛ خرجت عاتكة هذه يوماً إلى بعض نواحي البصرة فلقيت بدوياً ومعه أنحاء سمن فقالت : يا بدوي أتبيع هذا السمن ؟ قال : نعم قالت : أرناه ففتح لها نحياً فنظرت إلى ما فيه ثم ناولته إياه وقالت : افتح آخر ففتح آخر فنظرت إلى ما فيه ثم ناولته إياه فلما شغلت يديه أمرت جواريها فجعلن يركلن في استه وجعلت تنادي : يا ثارات ذات النحيين - أرادت بذلك ما فعله خوات بن جبير الأنصاري وهو : أن امرأة من حضرموت حضرت سوق عكاظ ومعها نحيا سمن فاستخلى بها خوات ليبتاعهما منها ففتح أحدهما وذاقه ودفعه إليها فأخذته بإحدى يديها ثم فتح الآخر وذاقه ودفعه إليها فأمسكته بيدها الأخرى ثم إنه غشيها وهي لا تقدر على الدفع عن نفسها لحفظ فم النحيين وشحها على السمن فلما قام عنها قالت : لا هنأك الله ؛ فضرب بها المثل فيمن شغل بشيء .
وذكرت ها هنا ما أنشدنيه إجازة لنفسه صفي الدين عبد العزيز ابن سرايا الحلي في غلام كان يختار تقبيله ويمانعه فوجده يوماً بدهليز دار مولاه ويداه مشغولتان بسراحتي زجاج مملوئتين شراباً فقبله قسراً أسوة بذات النحيين : .
نفسي الفداء لشادن ... وشفيت بالتقبيل منه غليلي .
ظفرت يداي بصيده بوصيدة ... فأخذت ثم توصلي لوصولي .
صادفته وأكفه مشغولة ... بأبارق قد أترعت بشمول .
فمنعته بالضم من إلقائها ... وجعلتها نحييه في التقبيل .
وقد تقدم في ترجمة خوات بن جبير هذه الواقعة وهناك أبيات قالها في واقعته مع ذات النحيين .
وهذه عاتكة قد تزوجها يزيد بن المهلب فقتل عنها يوم العقر فقال الفرزدق في ذلك شعراً وهو مذكور في ترجمة أمها الملاءة وسيأتي ذكره أمها إن شاء الله تعالى في حرف الميم في مكانه .
عاتكة بنت زيد .
عاتكة بنت زيد أخت سعيد بن عمرو بن نفيل ؛ كانت عند عبد الله ابن أبي بكر فأعجب بها واشتدت محبته لها فشغلته حتى عن صلاة الجمعة فقال له أبوه : طلقها فإنها قد فتنتك فقال عبد الله في ذلك : .
يقولون طلقها وأصبح مكانها ... مقيماً تمنني النفس أحلام نائم .
وإن فراقي أهل بيت أحبهم ... وما لهم ذنب لإحدى العظائم .
فلم يزل أبوه حتى طلقها فلم يصبر عنها واتبعا نفسه فهجم عليه أبوه يوماً فسمعه يقول : .
فلم أر مثلي طلق اليوم مثلها ... ولا مثلها في غير ذنب تطلق .
لها خلق جزل ورأي ومنصب ... وحلم وعقل في الأمور ومصدق .
فرق له فراجعها ولم تزل عنده حتى أصابه سهم في الطائف فمات فرثته بقولها : .
وآليت لا تنفك عيني سخينة ... عليك ولا ينفك جلدي أغبرا .
فلله عينا من رأى مثله فتى ... أعف وأكفى في الأمور وأصبرا .
إذا أشرعت فيه الأسنة خاضها ... إلى الموت حتى يترك أحمرا .
ثم تزوجها عمر بن الخطاب وأولم عليها ودعا الصحابة فلما اجتمعوا قال علي بن أبي طالب : يا أمير المؤمنين أتأذن لي أن أميل رأسي إلى خدر عاتكة وأكلمها ؟ قال : نعم فأمال علي رأسه وقال لها : يا عدية نفسها : .
فآليت لا تنفك عيني سخينة ... عليك ولا ينفك جلدي أغبرا .
فبكت " فقال عمر : يا أبا الحسن ما دعاك إلى كل هذا ؟ كل النساء يفعلن ذلك ؛ ثم إن عر قتل عنها فرثته أيضاً بشعر منه : .
وفجعني فيروز لا در دره ... بتالي الكتاب في الظلام منيب .
ثم تزوجها بعد ذلك الزبير فقتل عنها فرثته بقولها : .
غدر ابن جرموز بفارس بهمة ... يوم اللقاء وكان غير معرد .
يا عمرو لو نبهته لوجدته ... لا طائشاً رعش الجنان ولا اليد .
كم غمرة قد خاضها لم يثنه ... عنها طرادك يا ابن فقع الغرقد .
ثكلتك أمك إن ظفرت بمثله ... فيما مضى ممن يروح ويغتدي .
والله ربك إن قتلت لمسلماً ... حلت عليك عقوبة المتعمد