ولبس الخشن وقرأ بالروايات على شيوخ واسط كأبي الفتح الحداد وأبي يعلى ابن تركان وعبد السميع الهاشمي وسمع الكثير وكتب بخطه وتكلم بالوعظ على الناس وانتقل إلى بغداد وسكنها إلى أن مات وكان مخلاً وما مات حتى ذهبت عينه الأخرى وكان يمتنع من المداواة . توفي سنة سبع وخمسين وخمسمائة ومن شعره : .
أوصيك يا عم خيراً ما استطعت فما ... يبقى عليك سوى ما أنت عامله .
لا المال يدفع بأساً إن أتاك ولا ... يرد عنك الردى ما أنت فاعله .
فامهد لنفسك قبل الموت مجتهداً ... فعاجل الموت في التحقيق آجله .
هداك ربك للتقوى وبصرك ال ... رشاد وانزاح عن مغناك باطله .
ولست اعدل عن قوم وإن عدلوا ... عني وشر فريق الحي عادله .
وإنما عدلهم عني لجهلهم ... وفي الحديث : عدو الشيء جاهله .
الناسخ الحنبلي .
صدقة بن الحسين بن الحسن بن بختيار الحداد أبو الفرج الفقيه الحنبلي صاحب أبي الحسن ابن الزاغوني ؛ تفقه على ابن الزاغوني وبرع في الفقه والأصول ونقرا الكلام المنطق وفهم طرفاً صالحاً من الحكمة وكان متفنناً غزير الفضا ذا قريحة حسنة وفطنة وذكاء خارق وكتب الخط الحسن الصحيح ونسخ بخطه كثيراً للناس من سائر الفنون وكان قوته من أجرة نسخه ولم يطلب من أحد شيئاً ولا سكن مدرسة وله مصنفات حسنة في الأصول وجع تاريخاً حسناً على السنين بدأ فيه من وقت وفاة شيخه أبي الحسن ابن الزاغوني وهو أول سنة سبع وعشرين وخمسمائة مذيلاً على تاريخ شيخه ؛ قال محب الدين ابن النجار : كان الوزير ابن رئيس الرؤساء سأل عن مسألة في الحكمة فقيل له إن صدقة الناسخ له في ذاك يد فأنفذها إليه فكتب فيها جواباً شافياً استحسنه الوزير وسأل عن حاله فأخبر بفقره فأجرى له ما يقوته وعلمت الجهة بنفشا بحاله فصارت تتفقده في بعض الأوقات بما يكون بين يديها من الأطعمة الفاخرة والحلوى فيعجز عن أكله فيعطيه لمن يبيعه له وكان ربما شكا حاله لمن يأنس به فيشنع عليه من له فيه غرض ويقول : هو يعترض على الأقدار ينسبه إلى أشياء الله عالم بحقيقتها . ولد سنة سبع وسبعين وأربعمائة وتوفي سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة ؛ ومن شعره : .
لو قنع الإنسان من حظه ... بمثل ما يقنع من عقله .
لزال جل الغم عن نفسه ... وكل ما يهتم من أجله .
لكنه يرضى بغير الرضى ... من علمه والخلق من جهله .
ويستقل الحظ مع وفره ... ويحمد المذموم من فعله .
وفي انعكاس الأمر لو رامه ... راحته والفوز في مثله .
قلت : شعر جيد . ومن شعر صدقة الحنبلي قوله : .
واحسرتا من وجود ما تقدما ... فيه اختيار ولا علم فيقتبس .
ونحن في ظلمات ما بها قمر ... يضيء فيها ولا شمس ولا قبس .
مدلهين حيارى قد تكنفنا ... جهل تجهمنا في وجهه عبس .
فالفعل فيه بلا ريب ولا عمل ... والقول فيه كلام كله هوس .
ومنه : .
نظرت بعين القلب ما صنع الدهر ... فالفيته غراً وليس له خبر .
فنحن سدى فيه بغير سياسة ... نروح ونغدو قد تكنفنا الشر .
فلا من يحل الزنج وهو منجم ... ولا من عليه ينزل الوحي والذكر .
يحل لنا ما نحن فيه فنهتدي ... وهل يهتدي قوم أضلهم السكر .
عمى في عمى في ظلمة ... تراكمها من دونه يعجز الصبر .
ومنه : .
لا توطنها فليست بمقام ... واجتنبها فهي دار الإنتقام .
أتراها صنعة من صانع ... أم تراها رمية من غير رام .
قلت : شعر فاسد العقيدة .
أبو البر التاجر