شجاع بن فارس بن الحسن بن فارس بن الحسين بن غريب يتصل بشيبان ابن ذهل بن ثعلبة الحافظ أبو غالب الذهلي السهروردي ثم البغدادي الحريمي ؛ نسخ بخطه من التفسير والحديث والفقه ما لم ينسخه أحد من الوراقين كتب بخطه ديوان ابن حجاج سبع مرات . قال عبد الوهاب الأنماطي : قلما يوجد بلد من بلاد الإسلام إلا وفيه شيء بخط شجاع الذهلي . وكان مفيد وقته ببغداد ثقة سمع أبا طالب ابن غيلان وعبد العزيز بن علي الأزجي والأمير أبا محمد ابن المقتدر وأبا محمد الجوهري وأبا جعفر ابن المسلمة وأبا بكر الخطيب وطبقتهم ومن بعدهم إلى أن سمع من جماعة من طبقته ؛ روى عنه إسماعيل ابن السمرقندي وعبد الوهاب الأنماطي والسلفي وعمر بن ظفر المغازلي والحافظ محمد بن ناصر وعبد الله بن محمد بن أحمد بن النقور ودهبل بن علي بن كارة وغيرهم ومولده نصف شهر رمضان سنة ثلاثين وأربعمائة ووفاته في جمادى الأولى سنة سبع وخمسمائة ومن شعره : .
وقائلة إني رقدت وقد بدا ... لليل الصبا في العارضين قتير .
فقلت لها إن اللذيذ من الكرى ... يكون إذا كان الظلام ينير .
قلت : أحسن منه قول الآخر : .
وقالوا انتبه من رقدة اللهو والصبا ... فقد لاح صبح في دجاك عجيب .
فقلت : أخلائي دعوني ولذتي ... فإن الكرى عند الصباح يطيب .
ومن شعر الحافظ أبي غالب الذهلي أيضاً : .
هيفاء كالبدر في كماله ... لفاء كالغصن في اعتداله .
أصبح قلبي بها مشوقاً ... حيران قد لج في خباله .
ما وصلها إذ يرام منها ... إلا مع النجم في مناله .
قد ذاب جسمي بها فما إن ... يبين منه سوى خياله .
ومن شعره ما يكتب على مضراب العود : .
أنا في كف مهاة ... ذات دل وجمال .
أبداً أسلب بالتح ... ريك ألباب الرجال .
أبو الحسن وزير المستعين .
شجاع بن القاسم أبو الحسن الكاتب كان كاتباً للأمير أوتامش فولاه المستعين وزارته وكان أمياً وكان كاتب يقرأ عليه الكتب فيحفظها فإذا عرض على المستعين قال : هذا كتاب فلان يذكر فيه كذا وكذا ويتفق معه على الجواب وكان أمره يمشي بذلك لعلو يد صاحبه أوتامش ؛ ولم يزل على ذلك إلى أن شغب الأتراك والمغاربة فقتلوه وقتلوا صاحبه أوتامش سنة تسع وأربعين ومائتين . وكان متألهاً طويل الصلاة ؛ قرأ يوماً على المستعين أنه اشتري للمعتز والمؤيد حمار وحش بثلاثة دراهم فأنكر ذلك المستعين وكان أحمد ابن أبي الإصبع حاضراً فقال : إنما هو حمار وحش فضحك المستعين . ومدحه رجل من الشطار بشعر يقول فيه : .
شجاع لجاع كاتب لاتب معاً ... كجلمود صخر حطه السيل من عل .
خميص لميص مستمر مقدم ... كثير أثير ذو شمال مهذب .
فطين لطين آمر لك زاجر ... حصيف لصيف حين يخبر يعلم .
بليغ لبيغ كل ما شئت قلته ... لديه وإن تسكت عن القول يسكت .
أديب لبيب فيه عقل وحكمة ... عليم لشعري حين أنشد يشهد .
كريم حليم قابض متباسط ... إذا جئته يوماً إلى المدح يسمح .
فأعطى هذا الشعر لرجل طالبي فلقي به شجاعاً وهو على قارعة الطريق وحوله الناس فاستوقفه وأنشده الشعر فضحك وشكره ودخل على المستعين فرغب إليه في أمره فأعطاه عشرة آلاف درهم صلة وأجرى له ألف درهم راتباً في كل شهر . ودخل يوماً على المستعين وذيل قبائه قد تخرق فقال له المستعين : ما هذا يا شجاع ؟ فقال : يا أمير المؤمنين داس الكلب ذنبي فخرقت قباءه يردي دست ذنب الكلب فخرق قبائي . وكلفه المستعين يوماً قراءة كتاب وكان فيه حاضر طي - وطي قبيلة من قبائل اليمن وحاضرهم من حاضر منهم - فصحفه ومقال : جا ضرطي والضرط لغة في الضراط فضحك المستعين . وكان يوماً في مجلسه فقام رجل فقال : قد سبق من الوزير وعد وتلاه لي شكر والوزير حقيق بإنجاز وعدي وقبول شكري وأنشد : .
أبو حسن يزيد الملك حسناً ... ويصدق في المواعد والمقال .
جبان عن مذمة آمليه ... شجاع في العطية والنوال .
أجل الله في علن وسر ... فأعطاه الجلالة ذو الجلال