كَانَ وزير أبي جعفر المنصور . تولى وزارته بعد خالد بن برمك وتمكّن من غاية التمكّن وسببه أنّ المنصور قبل الخلافة كَانَ ينوب عن سليمان بن حبيب بن الملّب بن أبي صفرة فِي بعض كور فارس فاتّهمه أنَّه احتجن المال لنفسه فضربه بالسياط ضرباً شدياً وأغرمه المالَ وَكَانَ المررياني يكتب لسليمان فعزم سليمان عَلَى هتك المنصور بعد ضربه فخلّصه منه فاعتدّها المنصور للمورياني . ولمّا ولي الخلافة ضرب عنق سليمان المهلّبي وتمكّن عند المنصور . وَكَانَ إذا طلبه المنصور يدخل إليه وَقَدْ أُرعدت فرائصه فأتاه يوماً رسوله فتغيرّ لونه ثُمَّ خرج من عنده سالماً فقيل لَهُ فِي ذلك فقال : زعم ناس أنّ البازي قال للديك : مَا في الأرض أقلّ وفاءً منك فِي الحيوان ! .
قال : كيف ؟ قال : يأخذك أهلوك بيضةً فيحضنونك ثُمَّ يخرّجونك عَلَى أيديهم ويطعمونك فِي أكفهم وتنشأ بينهم حتّى إذا كبرت صرت لا يدنو لَكَ أحد إلا اضطربت وطرت من هنا إلى هنا وصوّتَّ : وأُخذت أنا من رؤوس الجبال مُسِنّاً فعلّموني وألّفوني ثُمَّ يُخلىَّ عنّي وآخذ صيداً فِي الهواء وأجيء بِهِ إلى صاحبي فقال لَهُ الديك : إنَّك لو رأيت من البزاة فِي سفافيدهم المعدّة للشّي مثل الَّذِي رأيتُ من الديوك لكنت أنفر منّي ! .
وأنتم لو علمتم مَا أعلمه لَمْ تتعجّبوا من خوفي مع مَا ترون من نمكّن حالي . ثُمَّ إنّ المنصور فسدت نيّته فِيهِ ونسبه إلى أخذ الأموال وهمّ أن يوقع بِهِ فتطاول ذَلِكَ وَكَانَ كلّما دخل عَلَيْهِ ظُنّ أنَّه سيوقع بِهِ ثُمَّ يخرج سالماً فقيل إنَّه كَانَ معه شيء من الدهن كَانَ قَدْ عمل فِيهِ سحراً فكان يدهن بِهِ حاجبيه إذا دخل عَلَيْهِ فسار فِي العامة دُهن أبي أيّوب . ثُمَّ إنّ المنصور أوقع بِهِ سنة ثلاث وخمسين ومائة وعذبه وأخذ أمواله وقيل سنة أربع وخمسين ومائة . ومن شعره لمّا تغيرّ لَهُ المنصور من الطويل : .
ألا لَيْتَني لَمْ ألقَ مَا قَد لَقِيتُه ... وَكُنْتُ بأدنى عِيشّةِ الناس راضِياً .
رأيتُ عُلّو المرء يَدعو انْحطاطَه ... ويُضحِي وسيطَ الحالِ مَنْ كَانَ ناجيا .
حفيد العاضد .
سليمان بن داود بن عبد الله العاضد بالله العبيدي المصري توفيّ فِي شوال سنة خمس وأربعين وستّ مائة بقلعة الجبل . أُدخلت أمّه إلى داود بن العاضد فِي الحبس أيّام صلاح الدين فِي زيّ مملوك سرّاً فوطئها فحملت بِهِ وترعرع وأُخفي أمره من عند بعض الدعاة فأُعلم بِهِ الكامل فحبسه فمات وَلَمْ يخلّف ولداً ذكراً . وتقدّم ذكر ولده .
عماد الدين ابن الزاهر .
سليمان بن داود بن يوسف بن أيّوب بن شاذي بن مروان عماد الدين ابن الملك الزاهر ابن السلطان صلاح الدين كَانَ مقيماً بحلب وعنده فضيلة تامًة فِي علوم شتّى وَلَهُ شعر جيّد وَكَانَ كثير الهجو ومن شعره من السريع : .
الجُودُ من طَبْعِهِمُ وَالوفا ... وخِسّةُ الطَبْعِ لبَوَابِهِم .
قَدْ أَشْبَهوا الفتْيَةَ فِي كَهْفِهم ... وذلك الكلبُ عَلَى بابِهِم .
ومنه من البسيط : .
أَلَذُّ شُربِ الفتى مَا بَيْنَ مَعْصَرَةٍ ... وَبَيْنَ كَرْمٍ أمام الدَنِّ لَمْ يَحِدِ .
حَيْثُ الغَزالةُ تَرْعى بُرْجَ سُنْبُلةِ ... قَدْ أفْلَتَتْ وَتَعَدَّتْ مخَلبَ الأسَدِ .
ومنه من الكامل : .
حَيْثُ المَجَرَّةُ كالعَريش وَقَدْ بَدَت ... فِيه الثريّا تُشْبِهُ العُنْقودا .
ومنه من الكامل : .
فِي وَجْهِهِ مَيْدانُ كلُ مَلاحةٍ ... فارْكضْ بِطَرفِ الطَرْفِ فِيهِ مسَيرِّ .
ومنه من الكامل : .
يَا عاذري إيةٍ وإيهاً عاذلي ... فالعُذْرُ يُقبَل فِي العذار السائلِ .
حيثُ الجَمالُ وَبَحْرُهُ فِي خَدِّهِ ... مُذْ ماجَ ألقى عَنْبراً فِي الساحلِ .
مع أنَّ نارَ الوَجنتَينِ دُخانُها ... مِن حَولِها مَا إنْ تَراهُ بحائِلِ .
وَلَرُبَّ أسْمَرَ باذلٍ لكِنَّهُ ... يحمي حقيقته بأسمر ذابلِ .
حُلْو المَراشِيفِ لَنْ تزالَ شُمولُها ... فِي هَزَ أعْطافِ لَهُ وشمائلِ