عَلى بَكْرٍ أخِي فارَقْتُ بَكراً ... وَأيُّ العَيشِ يَصْلُحُ بَعْدَ بَكْرِ .
فلمّ سمعت سكينة هَذَا الشعر قالت : ومن هو بكر هذا ؟ فوُصف لَهَا فقالت : أهو ذَاكَ الأُسَيّدِ الَّذِي كَانَ يمّر بِنَا ؟ قالوا : نعم ! .
فقالت : لقد طاب بعده كلّ شيء حتّى الخبو والزيت ! .
قيل إنّ عائشة بنت طلحة حجّت فِي سنة وحجّت سكينة أيضاً فكانت عائشة أحسن آلةً وبغلاً فقال حاديها من الرجز : .
عائشَ يَا ذاتَ البِغال الستّينْ .
لا زلتِ مَا عِشتِ كذا تَحُجَينْ .
فشقّ ذَلِكَ عَلَى سكينة ونزل حاديها فقال من الرجز : .
عائِشَ هَذي ضَرَّةٌ تشكوكِ .
لولا أبوها مَا اهتَدَى أبُكِ .
فأمرت عائشة حاديها أنْ تكفّ فكفّ .
حُكِيَ أنّه اجتمع رواة جرير وكُثيرَ وجميل والأحوص ونُصيب فافتخر كلّ منهم بصاحبه وقال : صاحبي أشعر ! .
فحكموا سكينة بنت الحيبن لمِا يعرفون من عقلها ونفاذتها فِي الشعر فخرجوا حَتَّى استأذنوا عَلَيْهَا وذكروا لَهَا مَا كَانَ من أمرهم فقالت لراوية جرير : أليس صاحبك الَّذِي قول من الكامل : .
طَرَقتْكَ صائِدهُ وَلَيْسَ ذا ... وَقَت الزِيارةِ فَارْجِعي بٍَلامِ .
وأيّ ساعة أحلى للزيارة من الطروق ؟ قبح الله صاحبك وقبح شعره ! .
هلاّ قال : .
وإنّ ذا ... وقت الزيارة فادْخُلي بِسَلامِ ؟ .
ثُمَّ قالت لراوية كثيرّ : أليس صاحبك الَّذِي يقول من الطويل : .
يقرّ بعيني مَا يقرّ بعينها ... وأحسن شيءٍ مَا بِهِ العين قرّتِ .
وَلَيْسَ شيءٌ أقرَّ لِعينها من النكاح أفيحبّ أن يُنْكَحَ ؟ قَبّحه الله وقَبّح شِعْرَهُ ! .
ثُمَّ قالت لراوية جميل : أليس صاحبك الَّذِي يقول من الطويل : .
فَلَوْ تَرَكتُ عقلي معي مَا طَلَبْتُها ... ولكن طِلابيها لمِا فاتَ مِنْ عَقْلي .
فما أرى صاحبك هوي وإنما طلب عقله قبّحه الله وقبح سعره ! .
ثُمَّ قالت لراوية نصيب : أليس صاحبك الَّذِي يقول من الطويل : .
أَهيمُ بِدَعْدٍ مَا حَيَيْتُ وإنْ أمُتْفوا حَزَني مَن ذا يَهِمُ مَن ذا يَهِيمُ بِها بَعْدي .
فما لَهُ هِمّة ألاّ من يتعشّقها بعده ! .
قبّحه الله وقبّح شعره ! .
ألاّ قال من الطويل : .
أهيم بدعد مَا حييت وإن أمت فلا صَلَحَتْ دعدٌ لذي خُلَةٍ بَعْدي .
ثُمَّ قالت لرواية الأحوص : أليس صاحبك الَّذِي يقول من الكامل : .
مِن عاشِقَينِ تَوَاعَدا وتَراسَلا ... ليلاً إذا نَجْمُ الثُرَيَا حَلَّقا .
باتا بأنْعَمِ لَيْلةٍ وألَذِّها ... حتَى إذا وَضَحَ الصَباحُ تَفَرَّقا .
قبّحه الله وقبّح شعره ! .
ألاّ قال : تعانقا ؟ فلم تُثْنِ عَلَى واحد منهم وَلَمْ تقدّمهم .
وَكَانَتْ هي وعائشة بنت طلحة زوجتين لمصعب بن الزبير وَكَانَ يجري بينهما مجادلات ومقاولات فلمّا كَانَ ذات ليلة وطلع البدر كاملاً أرسلْت عائشة جاريتها إلى سكينة ووجدتها فِي محفل نساءٍ وهنّ فِي سمر القمر فقالت لَهَا : تقول لكِ سيّدتي : لمن يشبّه هَذَا ؟ وَكَانَتْ عائشة فِي غاية الجمال والحسن وَكَانَتْ أحسن من سكينة فقالت سكينة : إذا أصبحنا ونادى المنادي فتعالي حَتَّى أجيبك ! .
فلمّا نادى المؤذّن أتتها فقالت : هاتي الجواب ! .
فقالت لَهَا : قولي لسيّدتك : جَدُّ من هَذَا ؟ فرجعت إليها وقالت لَهَا ذَلِكَ فقالت عائشة : مَا بقي بعد هَذَا كلام مع سكينة .
ولمّا توشحَ مصعب بسيفه وخرج إلى قتال عبد الملك بن مروان نادته سكينة : أعَزَمْتَ يَا ابن عمّ ؟ فقال لَهَا : مَا أنا ممّن يرجع عن عزيمته ! .
فنادت : واحرباه ! .
مَنْ للمكارم بعدك يَا ابن الزبير ؛ فرجع إليها وعانقها وودّعها ودمعت عيناه وقال : أما لو علمتُ أنّ لي من قلبك هَذَا المكان لكان لي ولك شأن . فلم يرجع من ذَلِكَ اليوم .
سُكَين الضَمْري .
مدني لَهُ صحبة . روى عنه عطاء بن سالم قال البخاري : سُكين الضمري سمع النبيّ A يقول : المؤمن يأكل فِي معاءٍ واحدٍ قال : وقال موسى بن عبيدة عن عبيد بن الأغرّ عن عطاء بن يسار عن جهجاه عن النبيّ A بذلك ولا يصحّ جهجاه عن النبيّ A .
الألقاب .
ابن سكينة الحافظ : اسمه عبد الوهّاب بن عليّ .
ولده : صدر الدين شيخ الشيوخ عبد الرزّاق .
ابن سكينة : عليّ بن عليّ بن عبيد الله