سعيد بن مسعدة أبو الحسن المجاشعي بالولاء النحوي البلخين المعروف بالأخفش الأوسط . أحد نحاة البصرة والأخفش الأصغر اسمه عليّ ابن سليمان والأخفش الأكبر اسمه عبد الحميد يأتي ذكرهما إن شاء الله فِي موضعيهما . وَكَانَ أبو الحسن الأخفش الأوسط أجعل لا تنطبق شفتاه عَلَى أسنه . قرأ النحو عَلَى سيبويه وَكَانَ أسنّ منه وَلَمْ يأخذ عن الخليل . وَكَانَ معتزليّاً من غلمان أبي شمر . قال أبو حاتم السجستاني : كَانَ الأخفشُ رجلَ سوءٍ قدريّاً كتابه فِي المعاني صُوَياحٌ إلاّ أنّ فِيهِ أشياء فِي القدر . وحدّث عن هشام بن عروة الكلبي وغيره وروى عنه أبو حاتم سهل بن محمّد السجستاني . وذكر أبو بكر الزبيدي النحوي أنّ الأخفش كَانَ معلِّمَ ولد الكسائي وذلك أنّه لمّا جرى بَيْنَ الكسائي وسيبويه مَا جرى من المناظرة ودخل سيبويه الأهواز قال الأخفش : فلمّا دخل شاطئ البصرة وجّه إليّ فجئته فعرّفني خبره مع البغداديّين وودّعني ومضى إلى الأهواز فتزوّدتُ وجلست فِي سُميريّة حَتَّى وردتُ بغداد فرأيت مسجد الكسائي فصلّيتُ خلفه الغداة فلمّا انفتل من صلاته وقعد فِي محرابه وبين يديه الفرّاءُ والأحمر وابن سعدان سلّمتُ عَلَيْهِ وسألته عن مائة مسألة فأجاب بجوابات خطّأتُهُ فِي جميعها فأراد أصحابُهُ الوثوب عليَّ فمنعهم عنّي وَلَمْ يقطعْني مَا رأيتُهم عَلَيْهِ عما كنتُ فِيهِ . فلمّا فرغْتُ من المسائل قال لي الكسائي : بالله أنت أبو الحسن سعيد بن مسعدة ؟ قال : قلتُ : نعم ! .
فقام إليّ وعانقني وأجلسني إلى جانبه ثُمَّ قال لي أولاد أحبّ أن يتأدّبوا بك ويُخرَّجوا عَلَى يدك وتكون معي غير مفارق لي . وسألني ذَلِكَ فأجبتُه إليه فلمّا اتّصلت الأيّام سألني أن أؤلّف لَهُ كتاباً فِي معاني القرآن فألّفت كتاباً فِي المعاني فجعله إماماً لَهُ وعمل عَلَيْهِ كتاباً فِي المعاني . وعمل الفرّاء كتابه فِي المعاني عليهما . وقرأ عَلَيْهِ الكسائي كتاب سيبويه سرّاً ووهب لَهُ سبعين ديناراً وَكَانَ الأخفش يؤدّب ولد المعذّل بن غيلان فاحتاج إلى أن يركب فِي حاجة لَهُ فأراد أن يستعير منه دابّةً فكتب إليه من المتقارب : .
أردتُ الركوبّ إلى حاجةٍ ... فمُرْ ليِ بِفاعِلةٍ مِنْ دَبَبَت .
فكيف إليه : .
بُرَيذيننا يَا أخي غامِرٌ فَكُنْ ... مُحسِناً فاعِلاً مِن عَذَرت .
وتوفي سنة عشر ومائتين وقيل خمس عشرة وقيل إحدى وعشرين ومائتين .
ومن تصانيفه : كتاب الأوساط فِي النحو كتاب معاني القرآن كتاب المقاييس فِي النحو كتاب الاشتقاق كتاب الأربعة كتاب العروض كتاب المسائل الكبير كتاب المسائل الصغير كتاب القوافي كتاب الملوك كتاب معاني الشعر كتاب وقف التمام كتاب الأصوت كتاب صفات الغنم وألوانها وعلاجها وأسنانها .
سأل المؤرّخ الأخفشَ هَذَا عن قوله تعالى : واللَيل إذا يسرِ مَا العلّة فِي سقوط الياء منه ؟ وإنمّا تسقط عند الجَزم فقال : لا أُجيبك ما لم تَبِتْ عَلَى باب داري ! .
قال : فبتُّ عَلَى باب داره ثُمَّ سألتُه فقال : اعلم أنّ هَذَا مصروف عن وجهته وكلّما كَانَ مصروفاً عن جهته فإنّ العرب تبخس حَظّه من الإعراب نحو قوله تعالى : مَا كَانَتْ أمُك بَغِيّاً أسقط الهاء لأنهّا مصروفة من فاعلة إلى فعيل قلتُ : كَيْفَ صرفه ؟ قال : الليل لا يَسرِي ! .
وإنمّا يُسرَى فِيهِ .
الهذلي المغنّي