حِبّ رسول الله A .
زيد بن حارثة أبو أسامة الكلبي مولى رسول الله A وحِبُّه وأوّلُ من أسلم بعد خديجة في قول وشهد بدراً وما بعدها واستخلفه رسول الله A على المدينة في غزوة المريسيع وأمّره على سبع سرايا وكان مقدّم الأمراء في جيش مؤتة وبها استشهد وكانت أمّه سعدى بنت ثعلبة من طيّ . زارت قومها فأغير عليهم فسبواً زيداً صغيراً فبيع بمكّة فاشترته خديجة فوهبتْهُ للنبي A فأعتقه وتبنّاه فصار يُدعَى زيد بن محمّد حتى نزلت " أُدعوهم لآبائهم " وآخى النبي A بينه وبين حمزة وزوّجه حاضنته أمّ أيمن فولدت له أسامة بن زيد ثم زوّجه بنت عمّته زينب بنت جحش وزيد هذا هو المذكور في سورة الأحزاب . وقال الزهري : ما علمنا أحداً أسلم قبل زيد بن حارثة ! .
وكان رسول الله A إذا لم يغز لم يعط سلاحه إلاّ عليّاً وزيداً وفي زيد يقول آبوه حارثة بن شراحيل حين فقده من الطويل : .
بكيتُ على زيدٍ ولم أدرِ ما فَعَلْ ... أحيٌّ يُرَجَّى أم أتى دونه الأجَلْ .
فوالله ما أدري وإن كنتُ سائلاً ... أغالَك سهل الأرض أم غالك الجَبَلْ .
فيا ليت شعري هل لك الدَهْرَ رجعةٌ ... فحسبي من الدنيا رجوعك لي بَجَلْ .
تُذكُرُنيه الشمس عند طلوعها ... وتعرض ذكراه إذا قارب الطَفَلْ .
وإن هّبت الأرواح هيّجن ذكَره ... فيا طول ما خزني عليه ويا وَجَلْ .
سأعملُ نصّ العيس في الأرض جاهداً ... ولا أسأم التطواف أو تسأم الأبلْ .
حياتي أو تأتي عليَّ منيّتي ... وكلّ امرئ فانٍ وإن غرّه الأملْ .
سأوصي به قيساً وعمراً كليهما ... وأوصي يزيداً ثمّ من بعده جَبَلْ .
يعني بذلك جبلة بن حارثة أخا زيد وكان أكبر من زيد ويعني يزيدَ أخا زيد لأمّه وهو يزيد بن كعب بن شراحيل فحجّ ناس من كلب فرأوا زيداً فعرفهم وعرفوه فقال لهم : أبْلِغوا أهلي هذه الأبيات فإنّي أعلم أنهم قد جزعوا عليّ فقال من الطويل : .
أحِنُّ إلى قومي وإنْ كنتُ نائياً ... فإنّي قعيد البيت عِند المشاعِرِ .
فكُفُّوا من الوجد الذي قد شجاكُمُ ... ولا تُعْمِلوا في الأرض نصّ الأباعرِ .
فإنّي بحمد الله في خيرِ أسرْةٍ ... كرامِ معدّ كابراً بعد كابرِ .
فانطلق الكلبيّون فأعلموا أباه فقال : ابني ! .
وربّ الكعبة ووصفوا له موضعَهُ وعند مَنْ هو فخرج حارثة وكعب ابنا شراحيل لفدائه وقدما مكّة ودخلا على رسول الله A المسجد فقالا : يا ابن عبد المطّلب : يا ابن سيّد قومه أنتم أهل حرم الله وجيرانه ! .
تفكّون العاني وتطعمون الأسير جئناك في ابننا عندك فامنُنْ عنيا وأحْسِن إليها في فدائه ! .
قال : من هو ؟ قالا : زيد بن حارثة فقال رسول الله A : فهلاّ غير ذلك ؟ قالا : ما هو ؟ قال أُدْعوه فَخيرّوه فإن أختاركم فهو لكم وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحداً ! .
قالا : قد زدتَنا على النصف وأحسنْتَ فدعاه فقال : هل تعرف هؤلاء ؟ قال : نعم قال : من هذا ؟ قال : أبي وهذا عمّي قال : فأنا من قد علمتَ ورأيتَ صحبتي لك فاخْتَرْني أو اخترهما قال زيد : ما أنا بالذي أتختار العبوديّة على الحرّية وعلى عمّك ؟ قال : نعم ! .
قد رأيتُ من هذا الرجل شيئاً ما أنا بالذي إختار عليك أحداً أنت مني مكان الأب والعم فقالا : ويحك يا زيد أختار عليه أحداً أبداً ! .
فلماّ رأى رسول الله ذلك أخرجه إلى الحجر فقال يا من حضر ! .
اشهدوا أن زيداً ابني يرثني وأرِثُهُ فلمّا رأى ذلك أبوه وعمّه طابت نفوسُهُما فانصرفا