زياد الله بن إبراهيم بن الأغلب وقد تقدّم ذكر والده في مكانه كان زياد الله هذا أفضل أهل بيته وأفصحهم لساناً وكان يقول الشعر قال صاحب كتاب " الإشعار بما للملوك من النوادر والأشعار " : ولا نعلم أحداً قبله تسمّى بزيادة الله . اعتنى به والده وكان لا يقدمُ عليه أحد من الأعراب والعلماء بالعربيّة والشعراء إلا أصْحَبَهم ابنه زيادة الله وأمرهم بملازمته وملك أفريقية وثار عليه ثوّار بسبب سفكه الدماء . وأل أمره إلى أن خرج أكثر إفريقيّة عن يده حتى القيروان وانحصر في مدينة القصر القديم ثم زحف بأهل بيته وخاصّته وعزم على المناجزة فظفر بأهل القيروان فقال له أهل بيته وخاصّته : دعْنا نبدأ بالقيروان فقد علمت ما لقينا منهم ! .
فنهاهم عن ذلك فلم يزالوا يعاودونه حتى استشاط غضباً وقال : لم يكن منكم معي أحد حين ضاق الأمر وأنا خائف على روحي وحرمي فعاهْدتُ الله عزّ وجلّ ودموعي تجري إنْ نصرني وأظفرني أن أعفو وأصفح . ولما تألبت الجند عليه وكتبوا إليه أن ارحلْ عن إفريقيّة : قال له سفيان بن سوادة : مكِّنّي من ديوان جندك أنتقي مائتي فارس ثم أسير إلى نفزاوة فإن ظفرتُ كان ما تحبّ وإن تكن الأخرى عملْتُ برأيك فمكّنه فآل أمره إلى أن هزم عامر بن نافع أحد الثوّار ولم ينهزم قطّ وما زالت الفتوحات تتوالى حتى استقامت له إفريقية وانقطعت الفتنة وكانت مدّتها على زيادة الله ثلاث عشرة سنة وكانت أختِ عامر بن نافع قالت أيّام الفتنة : والله لأجْعَلَنِّ أُمَّ زيادة الله تطبخ لي بيساراً فهو الذي يصلح لها ! .
فلمّا ظفر زيادة الله بالقيروان أمر أمّه أن تطبخ فولاً وتبسيرّه إلى أخت عامر وقال للرسول : قل لها : إنّي طبخت وأبررت قسمك فقالت أخت عامر : قد قدرْتِ فافعلي ما شئتِ وبكت . وتوفي سنة ثلاث وعشين ومائتين . وله خمسون سنة ومدّته إحدى وعشرين سنة وأربعة أشهر وثمانية أيّام . وسيأتي ذكر حفيده أيضاً . ومن شعره ما كتب به إلى المأمون وهو سكران وقد أتاه رسوله بما لا يحبّ من الطويل : .
أنا النارُ في أحجارِها مستكنذة ... فَإنْ كُنتَ مِمَنْ يقدح النارَ فاقْدحِ .
أنا الليثُ يحيم غِيله بزئيره ... فإنْ كُنتَ كَلْباً حانَ موتُكَ فافرَحِ .
صاحب القيروان .
زياد الله بن عبد الله بن إبراهيم بن أحمد بن محمّد بن الأغلب أبو منصور ابن أبي العبّاس التميمي صاحب القيروان . وكان أبوه وجدّه ومحمّد أخو جدِّ جدّه وجدّ أبيه وأخو جدِّ أبيه كلهم قد ولي إفريقيّة . وكان هذا قد دخل في طاعة المكتفي وأهدى إليه هدايا من جملتها عشرة آلاف درهم في كل درهم عشرة دراهم وألف دينار وكلّ دينار عشرة دنانير وكتب على كلّ درهم في أحد وجهيه من الكامل : .
يا سائراً نَحوَ الخليفة قل له ... أنْ قد كفاك الله أمرك كلَّهُ .
بزيادة الله بن عبد الله سي ... فِ الله من دون الخليفةِ سَلَّهُ .
وفي الوجه الآخر : .
ما يَنْبَري لك بالشقاق مخالِفٌ ... إلا استباحَ حريمه وأذَلَّهُ .
من لا يرى لك طاعةً فالله قد ... أعماه عن سُبُل الهدى وأضَلَّهُ .
قال محمّد بن يحيى الصولي : وابن الإغلب هذا من ولد الإغلب بن عمرو المازني وكان عمرو من أهل البصرة ولاه الرشيد الغرب بعد أن مات إدريس ابن عبد الله بن حسن فما زال بالمغرب إلى أن توفي وخلفه ابنه الأغلب ابن عمرو ثم أولاده إلى أن صار الأمر إلى زيادة الله هذا . وذُكر أنّه أقام بمصر شهوراً ثم توفيّ . قال ابن عساكر الحافظ : بلغني أنَّه توفّي بالرملة في جمادى الأولى سنة أربع وثلاث مائة ودفن بالرملة فساخ به قبره فسُقّف عليه وترك مكانه وكان له غلام فحل صبي يدعى خطاباً وهو اسمه في السكك فسخط عليه وقيده بقيد من ذهب فدخل يوماً من الأّيام صاحبه على البريد وهو عبد الله بن الصائغ فلمّا رأى الغلام مقيّداً تأخَر قليلاً وعمل بيتين وكتب بهما إلى زيادة الله وهما من البسيط : .
يا أيّها الملك الميمون طائرُه ... رفْقاً فإنَ يد المعشوق فوق يدِكْ .
كم ذا التجلّد والأحشاء زاحفة ... أُعيذُ قلبَك أنْ يسطو على كبدِكْ