هنيئاً لكم ماء الفرات وطيبه ... إذا لم يكن لي في الفرات نصيب .
فكتب إليه دبيس : من الطويل .
ألا قل لبدران الذي حنَّ نازحاً ... إلى أرضه والحرُّ ليس يخيب .
تمتَّع بأيام السُّرور فإنما ... عذار الأماني بالهموم يشيب .
ولله في تلك الحوادث حكمةٌ ... وللأرض في كأس الكرام نصيب .
وقد تقدم ذكر بدران أخيه . وكان دبيس في خدمة السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه السّلجوقي وهم نازلون على باب المراغة من بلاد أذربيجان ومعهم المسترشد . فهجموا خيمته وقتلوا المسترشد وخاف أن تنسب القضية إليه وأراد أن تنسب إلى دبيس فتركه إلى أن جاء الخدمة وجلس على باب خيمة السلطان فسيَّر بعض مماليكه فجاءه من ورائه وضرب رأسه بالسيف فأبانه . وأظهر السلطان أنه إنما فعل ذلك انتقاماً منه بما فعل في حقّ الإمام وذلك بعد قتل الإمام بشهرٍ . وقيل أن قتلته كانت سنة تسعٍ وعشرين وخمس مائة . قيل أنها كانت على باب خوي وقيل على باب تبريز .
وكان دبيس قد أحسّ بتغيير السلطان عليه منذ قتل المسترشد وعزم على الهروب مراراً والمنية تثِّبطه . ولما قتل حمل إلى زوجته كهارخاتون ودفن بالمشهد عند صاحب ماردين نجم الدين ايلغازي والد كهارخاتون . وتزوج السلطان المذكور ابنة دبيس المذكور وأمُّها شرف خاتون ابنة عميد الدولة بن فخر الدولة بن جهير وأم شرف خاتون المذكورة زبيدة ابنة الوزير نظام الدين . وولي بعد دبيس ابنه بهاء الدَّولة أبو كامل منصور .
وكان دبيس وقلّ من أنجب مثله من أمراء العرب وكان شيعياً مثل والده وقصده بعض الشعراء وهو معتقل وامتدحه بقصيدةٍ ولم يكن بيده شيء يعطيه فدفع له رقعةً وفيها مكتوب : من البسيط .
الجود فعلي ولكن ليس لي مالٌ ... وكيف يفعل من بالقرض يحتال .
فهاك خطي إلى أيام ميسرتي ... ديناً عليَّ فلي في الغيب آمال .
فلما أطلق لقيه هذا الشاعر فطالبه بدينه فقال : ما أعلم أن لأحد علي ديناً فأراه خطّه فلما رآه عرفه وقال : أيّ والله دين وأي دين . وأعطاه مائة دينارٍ وخلعة .
أمير العرب .
دبيس بن علي بن مزيد أبو الأغرّ الأسدي جد المذكور آنفاً . كان أمير العرب وله المكانة الرفيعة عند الخلفاء والملوك وفيه أدب . وتوفي سنة أربع وسبعين وأربع مائة ومولده سنة أربعٍ وتسعين وثلاث مائة . وولي الإمارة سنة ثمان وأربع مائة وقيل أن سنَّه كان في ذلك الوقت أربع عشرة سنة ومن شعره : من الوافر .
حدا الحادي بشعري حين ساروا ... وبالأسحار أيقظهم أنيني .
وكنت على فراقهم معيناً ... لذلك لم أجد صبري معيني .
ومنه أيضاً : من السرؤيع .
حبُّ علي بن أبي طالبٍ ... للناس مقياسٌ ومعيار .
يخرج ما في أصلهم مثل ما ... تخرج غشَّ الذهب النار .
المدائني الشّاعر .
دبيس الضّرير من أهل المدائن شاعر دخل بغداد ومدح صدورها وأورد له محب الدين بن النجار : .
وفي قدود الرماح السُّمر منعطفٌ ... وفي خدود السُّريجيات توريد .
تغَّنت البيض فاهتزَّ القنا طرباً ... مثل اهتزازك إذ يدعو بك الجود .
قال العماد الكاتب في الخريدة : دبيس المدائني ضرير بالأدب بصير لقيته واستنشدته أشعاره وهي في غاية الرقة بعيدة عن التعسّف وارتكاب المشقة .
أبو الغصن اليربوعي