أبو ذؤيب الهذليّ .
خويلد بن خالد بن محرِّثٍ الهذليّ أبو ذؤيب . قال صاحب الأغاني : كان من الشعراء المخضرمين وأنه حسن إسلامه لما أسلم . وسئل حسان بن ثابت من أشعر الناس حياً ؟ قال : أشعر الناس حياً هذيل وأشهر هذيل غير مدافعٍ أبو ذؤيب . وأخبر محمد بن معاذٍ المعمري أن في التوراة مكتوباً : أبو ذؤيب مؤلف زوراً . وكان اسم الشاعر بالسُّريانية مؤلف زوراً . وقال قصيدته العينيّة في بنين له خمسة أصيبوا في عامٍ واحدٍ بالطاعون .
ولما مات جعفر بن المنصور الأكبر مشى المنصور في جنازته من المدينة إلى مقابر قريشٍ ومشى الناس معه أجمعون حتى دفنه ثم انصرف عن قبره وقال : يا ربيع انظر في أهلي من ينشدني : من الكامل .
أمن المنون وريبها تتوجَّع ... والدهر ليس بمعتبٍ من يجزع .
حتى أسلّي عن مصيبتي . فخرج إلى بني هاشمٍ وهم أجمعهم حضور فسألهم عنها فلم يكن فيهم أحد يحفظها . فعاد فأخبره فقال : والله مصيبتي بأهلي أن لا يكون فيهم أحد يحفظ هذه القصيدة لقلّة رغبتهم في الأدب أعظم وأشدّ عليّ من مصيبتي بابني . ثم قال : أنظر هل في القوّاد أو العوامّ من يعرفها فإني أحب أن أسمعها من إنسانٍ ينشدها . فخرج فعرض الناس فلم يجد أحداً يحفظها إلا شيخاً مؤدِّباً فأوصله إلى المنصور فاستنشده إياها فلما قال : والدهر ليس بمعتب من يجزع . قال : صدق والله أنشدني هذا البيت مائة مرةٍ لتردِّد هذا المصراع عليَّ فأنشده ثم مرَّ فيها فلما انتهى إلى قوله : من الكامل .
والدهر لا يبقى على حدثانه ... جون السَّراة له جدائد أربع .
قال : سلا أبو ذؤيب عند هذا القول فأمره بالانصراف وأمر له بمائة درهم وأول هذه القصيدة : .
أمن المنون وريبها تتوجَّع ... والدهر ليس بمعتبٍ من يجزع .
وفيها يقول : .
وتجلُّدي للشَّامتين أريهم ... أني لريب الدهر لا أتضعضع .
وإذا المنيَّة أنشبت أظفارها ... ألفيت كلَّ تميمةٍ لا تنفع .
والنفس راغبةٌ إذا رغَّبتها ... وإذا تردُّ إلى قليلٍ تقنع .
وقال ابن المرزباني : كان أبو ذؤيب فصيحاً كثير الغريب متمكناً في الشعر . وعاش في الجاهلية دهراً ودرك الإسلام وأسلم وعامّة ما قال من الشعر في الإسلام وهلك بأفريقية زمن عثمان بن عفان Bه في حدود الثلاثين ويقال أنه هلك بطريق مصر . وتولّى عبد الله بن الزبير دفنه وقيل أنه مات بأرض الروم في خلافة عمر . يقال أنّ أهل الإسلام أبعدوا في بلاد الروم فما كان وراء قبر أبي ذؤيب قبر يعلم للمسلمين . ومن شعر أبي ذؤيب : من الطويل .
وعيَّرها الواشون أني أحبُّها ... وتلك شكاةٌ ظاهرٌ عنك عارها .
فإن أعتذر عنها فإني مكذِّبٌ ... وإن تعتذر يردد عليك اعتذارها .
أبو خراش الهذليّ .
خويلد بن مرّة أبو خراشٍ الهذليّ . مخضرم أدرك الإسلام كبيراً فأسلم ومات في أيام عمر بن الخطاب وله معه أخبار . وهو القائل وقد قتل أخوه عروة ابن مرّة قتلته ثمالة من الأزد وأسرت ابنه خراشا فدعا آسره رجلاً للمنادمة فرأى خراش بن أبي خراشٍ موثقاً في القيد فألقى عليه رداءه وأجاره وأطلقه فلما قدم على أبيه قال له : من أجارك ؟ قال : والله ما أعرفه . فقال أبو خراشٍ : وتزعم الرُّواة أنها لا تعرف رجلاً مدح من لا يعرفه غير أبي خراش وهذه الأبيات : من الطويل .
حمدت إلهي بعد عروة إذا نجا ... خراش وبعض الشرِّ أهون من بعض .
ولم أدر من ألقى عليه رداءه ... سوى أنه قد سلَّ من ماجدٍ محض .
فو الله لا أنسى قتيلاً رزئته ... بجانب قوس ما مشيت على الأرض .
يعنى عروة ثم علم أنه سينساه فقال : .
بلى إنها تعفو الكلوم وإنِّما ... يوكَّل بالأدنى وإن جلَّ ما يمضي .
وقال أيضاً : من الطويل .
تقول : أراه بعد عروة لاهياً ... وذلك رزءٌ ما علمت جليل .
فلا تحسبي أني تناسيت عهده ... ولكنَّ صبري يا أميم جميل .
أبو شريح الصّحابي