وقال الخليل : اجتزت في بعض أسفاري براهب في صومعة فوقفت عليه والمساء قد أزف جداً وخفت من الصحراء . فسألته أن يدخلني فقال : من أنت ؟ قلت : الخليل بن أحمد فقال : أنت الذي يزعم الناس أنك وجيه واحد في العلم بعلم العرب ؟ فقلت : كذا يقولون ولست كذلك فقال : إن أجبتني عن ثلاث مسائل جواباً مقنعاً فتحت لك الباب وأحسنت ضيافتك وإلا لم أفتح لك . فقلت : وماهي ؟ قلا : ألسنا نستدلّ على الغائب بالشّاهد ؟ فقلت : بلى قال : فأنت تقول أن الله تعالى ليس بجسم ولا عرض ولسنا نرى شيئاً بهذه الصفة . وأنت تزعم أن الناس في الجنة يأكلون ويشربون ولا يتغوّطون . وأنت لم تر آكلاً ولا شارباً إلا متغِّوطاً . وأنت تقول أن نعيم أهل الجنة لا ينقضي وأنت لم تر شيئاً إلا منقضياً . قال الخليل : فقلت له بالشاهد الحاضر استدللت على ذلك كله . أما الله تعالى فإنما استدللت عليه بأفعاله الدالة عليه ولا مثل له . وفي الشاهد مثل ذلك وهو الروح التي فيك وفي كل حيوان تعلم أنك تحسّ بها وهي تحت كل شعرة منا ونحن لا ندري أين هي ولا كيف هي ولا ما صفتها ولا ما جوهرها . ثم نرى الإنسان يموت إذا خرجت ولا يحسّ بشيءٍ خرج منه وإنما استدللنا عليها بأفعالها وبحركاتها وتصرّفنا بكونها فينا . . وأما قولك أنّ أهل الجنة لا يتغّوطون مع الأكل فالشّاهد لا يمنع ذلك . ألا ترى الجنين يغتذي في بطن أمه ولا يتغوّط . وأما قولك أن نعيم أهل الجنة لا ينقضي مع أن أوله موجود فإنا نجد أنفسنا نبتدىء الحساب بالواحد ثم لو أردنا أن لا ينقضي لما لا نهاية له لم نكرِّره واعداده تضعيفه إلى انقضاء ما . قال : ففتح الباب لي وأحسن ضيافتي .
قال ياقوت في معجم الأدباء : هذا الجواب كما شرط الراهب إقناعي لا قطعيّ . وكان عبد الله بن الحسن العنبريّ قاضي البصرة يأتي جاراً له يقول بالنجوم فدخل في قلبه شيء بجاء لى الخليل فقال له : أنت عبد الله بن الحسن ؟ قال : نعم فسأله عن شيءٍ من القدر فقال الخليل : أخبرني عن الحاء من أين مخرجها ؟ قال : من الحلق قال فأخبرني عن الباء من أين مخرجها ؟ فقال : من طرف اللِّسان . قال : تقدر أن تخرج هذه من مخرج هذه ؟ قال : لا قال : ثم فإنّك مائق ثم أنشأ يقول : من الخفيف .
أبلغا عنِّي المنجم أنِّي ... كافرٌ بالذي قضته الكواكب .
عالمٌ أنَّ ما يكون وما كا ... ن بحتمٍ من المهيمن واجب .
ويقال أن الخليل بما أراد أن يضع العروض خلا في بيت ووضع بين يديه طستاً أو ما أشبه ذلك وجعل يقرعه بعود ويقول : فاعلن مستفعلن فعولن فسمعه أخوه فخرج إلى المسجد وقال : إنّ أخي قد أصابه جنون وأدخلهم عليه وهو يضرب الطّست . فقالوا : يا أبا عبد الرحمن ما لك أأصابك شيء ؟ أتحبّ أن نعالجك ؟ فقال : وما ذاك ! .
! .
؟ فقالوا : أخوك يزعم أنك خولطت فقال : من الكامل .
لو كنت تعلم ما أقول عذرتني ... أو كنت تعلم ما تقول عذلتكا .
لكن جهلت مقالتي فعذلتني ... وعلمت أن جاهلٌ فعذرتكا .
قال الناشىء يهجو داود بن عليّ الأصبهاني الفقيه : من الطويل .
أقول كما قال الخليل بن أحمدٍ ... وإن شيت ما بين النّظامين في الشعر .
عذلت على من لو علمت بقدره ... بسطت وكان العذل واللوم من عذري .
جهلت ولم تعلم بأنك جاهلٌ ... فمن لي بأن تدري بأنك لا تدري .
وأنشد عليّ بن هرون عن أبيه في معناه : من الخفيف .
يدَّعي العلم بالنجوم كما قد ... يدَّعي مثل ذلك في كل أمر .
وهو في ذاك ليس يدري ولا يد ... ري من النّوك أنه ليس يدري .
والخليل معدود من الشعراء العلماء وشعره كثير ويقال أن أول من تسمّى في الإسلام بأحمد هو أحمد والد الخليل . ومن تصانيفه : العين الجمل كتاب النغم كتاب العروض كتاب الشّواهد كتاب النقط والشَّكل . وروي أن الليث ابن المظفر بن نصر بن سيّار صحب الخليل مدة يسيرة وأن الخليل عمل له كتاب العين وأحذاه طريقته . وعاجلت الخليل المنية فتمّمه الليث بن المظفر وسيأتي ذكر ذلك في ترجمة الليث . قال ياقوت وجدت على ظهر جزء من كتاب التهذيب لأبي منصور الأزهري : من مجزوء الرجز .
إبن دريدٍ بقره ... وفيه عجبٌ وشره .
ويدَّعي بجهله ... وضع كتاب الجمهره