الخصيب بن المؤمّل بن محمد بن علي بن سلم بن العباس بن الخصيب أبو العلاء التّميمي المجاشعي . كان أبوه بصرياً سمع أحمد بن محمد بن النقور وغيره وحدّث باليسير . وروى عنه الحافظ ابن عساكر وأبو سعد ابن السّمعاني : وكان أديباً فاضلاً شاعراً توفي سنة إحدى وأربعين وخمس مائة . وكان شيعياً غالياً ومن شعره : من الطويل .
أقضّي زماني باللّتيّا وبالّتي ... ومن دون إدراك المنى حادثٌ يقضي .
وأمزج من كأس المطامع والمنى ... مجاجة سمٍّ من خلاصته محض .
وأغضي على حرمان راجٍ يزورني ... بوعدٍ ولو شاء الغنى لي لم أغض .
الطّيب النّصرانيّ .
الخصيب : كان طبيباً نصرانياً فاضلاً مقامه بالبصرة . وكان ماهراً في صناعته جيّد المعالجة . قال محمد بن سلاّم الجمحي : مرض الحكم بن محمد بن قنبر المازني الشاعر البصري فأتوه بخصيب الطّيب يعالجه فقال : من مجزوء الرمل .
ولقد قلت لأهلي ... إذ أتوني بخصيب .
ليس والله خصيبٌ ... للّذي بن بطبيب .
إنمّا يعرف دائي ... من به مثل الذي بي .
وحدَّث أيضاً قال : سقى خصيب الطبيب محمد بن أبي العباس السّفاح شربة دواء وهو على البصرة فمرض بها وحمل إلى بغداد ومات بها وذلك أول سنة خمسين ومائة . فاتُّهم خصيب فحبس حتى مات . فنظر في علّته إلى مائه فقال : قال جالينوس : إنَّ صاحب هذه العلَّة إذا صار ماؤه هكذا لا يعيش . فقيل له أنَّ جالينوس ربّما أخطأ فقال : ما كنت إلى خطائه قطُّ أحوج مني غليه في هذا الوقت ومات من علّته .
صاحب الخراج بمصر .
الخصيب بن عبد الحميد أبو نصر صاحب ديوان الخراج بمصر . قصده أبو فراس من بغداد وامتدحه بقصيدته الرّائيّة المشهورة التي أوّلها : من الطويل .
أجارة بيتينا أبوك غيور ... وميسور ما يرجى لديك عسير .
منها : .
ذريني أكثِّر حاسديك برحلةٍ ... إلى بلدٍ فيه الخصيب أمير .
فما جازه جودٌ ولا حلَّ دونه ... ولكن يصير الجود حيث يصير .
فتىً يشتري حسن الثناء بماله ... ويعلم أن الدّائرات تدور .
فمن كان أمسى جاهلاً بمقالتي ... فإن أمير المؤمنين خبير .
وقد اشتهرت هذه الأبيات وهذه القصيدة وأشار الناس إليها وعارضها الشّعراء وضمَّنوا من أبياتها في أشعارهم . وممن عارضها ابن درّاج القسطلِّي بقصيدة طائلة هائلة وأولها : من الطويل .
دعي عزمات المستضام تنير ... فتنجد في عرض الفلا وتغور .
وهي قصيدة بليغة فصيحة . وقد ذكرت بعضها في ترجمة ابن درّاج في مكانه واسمه أحمد بن محمد بن العاص . ولما قلّد الرشيد هرون الخصيب خراج مصر وضياعها توجَّه إلى مصر . ولما استقر بها كتب إلى أبي نواس يستزيره وكان به خاصّاً . فخرج إليه وخرج وقت خروجه جماعة من الشعراء ليمتدحوه ولم يعرفوا خروج أبي نواس . واجتمعوا بالرقَّة فقال بعضهم لبعض : هذا أبو نواس يمضي إلى الخصيب ولا فضل فيه لأحدٍ معه فاجعوا من قريب . وبلغ ذلك أبا نواس فصار إليهم مسلِّماً وقال : بلغني ما عزتم عليه فلا تفعلوا وامضوا حتى نصطحب فإني والله لا أبدأ إلاّ بكم . فشكروا له وسكنوا إلى قوله ومضوا . فلما قدموا مصر وبلغ الخصيب خبر أبي نواس جلس له جلوساً عاماً في مجلسٍ جليل . ودخل إليه الشعراء فسلّم عليه وقال : من الرجز .
قد استزرت عصبةً قد أقبلوا .
وعصبةٌ لم تستزرهم طفَّلوا .
رجوك في تطفيلهم وأمَّلوا .
وللرّجاء حرمةٌ لا تجهل .
فافعل كما كنت قديماً تفعل .
فاستحسن الخصيب ذلك وكل من حضره . وقال الخصيب : من هؤلاء ؟ فعرَّفه أبو نواس خبرهم فقال له : اجلس وقدِّرلهم صلاتهم على حسب مقاديرهم في نفسك . فقدَّر لهم أبو نواس صلاتهم وعرضها عليه . فوقَّع بإطلاقها فأطلقت من وقتها وقال : اخرج ففرِّقها عليهم . وعاد إلى الخصيب فقال له : اجلس حتى اتفرَّغ لك وللأنس بك وفيه يقول : من الكامل .
أنت الخصيب وهذه مصر ... فتدفّقا فكلماكما بحر .
لا تقعدا بي عن مدى أملي ... شيئاً فما لكما به عذر .
ويحقُّ لي إذ صرت بينكما ... أن لا يحلَّ بساحتي فقر