وكان مرضه بالآكلة وقعت في باطنه فدعا بالطبيب لينظر إليها فأخذ لحماً وعلّقه في خيط وسرَّحه في حلقه وتركه ساعة ثم أخرجه وقد لصق به دود كثير . وسلط الله عليه الزمهرير فكانت الكوانين تجعل حوله مملوءة ناراً وتجدنى منه حتى تحرق جلده وهو لا يحسّ بها . وشكا ما يجده إلى الحسن البصري فقال له : قد نهيتك أن تتعرّض إلى الصالحين فلججت فقال له : يا حسن لا أسألك أن تسأل الله أن يفرّج عني ولكني أسألك أن تسأله أن يعجل قبض روحي ولا يطيل عذابي . فبكى الحسن بكاء عظيماً وأقام الحجاج على هذه الحالة خمسة عشر يوماً . ولما بلغت الحسن وفاته قال : اللهم قد أمتَّه فأمت عنّا سنَّته قال ذلك بعد ما سجد شكراَ لله تعالى . ولما حضرته الوفاة أحضر منجماً وقال له : هل ترى في علمك ملكاً يموت ؟ فقال : نعم ولست هو . فقال كيف ذلك ؟ قال المنجم : إن الذي يموت اسمه كليب فقال الحجاج أنا هو والله بذلك سمَّتني أمي وأوصى عند ذلك . وقال المسعودي في مروج الذهب : إن الفارعة أم الحجاج بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي كانت تحت الحارث بن كلدة الثقفي حكيم العرب فدخل مرةً عليها سحراً فوجدها تتخلَّل فبعث إليها بطلاقها . فقالت : لم بعثت إليّ بطلاقي ؟ هل لشيء رابك مني ؟ قال نعم دخلت عليك في السَّحر وأنت تتخللين فإن كنت بادرت الغدا فأنت شرهة وإن كنت بتِّ والطّعام بين أسنانك فأنت قذرة فقالت : كل ذلك لم يكن لكنني تخللت من شظايا السواك فتزوّجها بعده يوسف عقيل الثقفي فولدت له الحجاج مشوّهاً لا دبر له فنقب عن دبره وأبى أن يقبل ثدي أمه أو غيرها وأعياهم أمره فيقال إن الشيطان تصور لهم في صورة الحارث بن كلدة وقال لهم : اذبحوا جدياً أسود وأولفوه دمه فإذا كان في اليوم الثاني فافعلوا به كذلك وإذا كان في اليوم الثالث فاذبحوا له تيساً أسود وأولفوه دمه ثم اذبحوا له أسود سالخاً فأولفوه دمه وأطلوا به وجهه فإنّه يقبل الثدي في اليوم الرابع ففعلوا به ذلك فكان لا يصبر عن سفك الدماء . وكان يقول أنّ أكبر لذاته سفك الدماء وارتكاب الأمور التي لا يقدم عليها غيره