الشيخ الأمام العلامة حجة العرب بهاء الدين أبو عبد الله ابن النحاس النحوي شيخ العربية بالديار المصرية سمع من ابن اللتي والموفق بن يعيش النحوي وأبي القسم ابن رواحة وابن خليل ووالده وقرأ القرآن على أبي عبد الله الفاسي وأخذ العربية عن الشيخ جمال الدين محمد بن عمرون ودخل مصر لما خربت حلب وقرأ القرآن على الكمال الضرير وأخذ عن بقايا شيوخها ثم جلس للإفادة كان حسن الأخلاق منبسطا على الإطلاق متسع النفس في حالتي الغني والإملاق ذكي الفطر زكي المخالطة والعشرة مطرح التكلف مع أصحابه عديم التخلف عن أشكاله وإضرابه ومع ذلك فلم يرزق أحد وجاهته في صدور الصدور ولا فرح أحد بسيادته التي آربت على تمام البدور وكان معروفا بحل المشكلات موصوفا بإيضاح المعضلات كثير التلاوة والأذكار كثير الصلاة في نوافل الأسحار موثوقا بديانته مقطوعا بأمانته وأما علمه بالعربية فاليه الرحلة من الأقطار ومن فوايده تدرك الأماني وتنال الأمطار قد اتقن النحو وتصريفه وعلم حد ذلك ورسمه وتعريفه ما أظن ابن يعيش مات إلا من حسده ولا ابن عصفور لأجله طار ذكره إلا في بلده ولا المرسي رست له معه قواعد ولا لأبي البقاء العكبري معه ذكر خالد بذهن نحي النحاس القديم عن مكانه وجعل ابن بري برياً من فصاحة لسانه وتحقيق ما اهتدى ابن جني إلى إظهار خباياه ولا نسبت إلى السخاوي هباته ولا عطاياه تخرج به الأفاضل وتحرج منه كل مناظر ومناضل وانتفع الناس به وبتعليمه وصاروا فضلاء من توقيفه وتفهيمه وكتب خطا آزري بالوشى إذا حبك والذهب إذا سبك ولم يزل على حاله إلى أن بلغ من الحياة امدها واهدى الزمان إلى عينه بفقده رمدها وتوفي C تعالى يوم الثلثاء سابع جمدى الآخرة سنة سبع وعشرين وست ماية وكان من العلماء الأذكياء الشعراء له خبرة بالمنطق وحظ من اقليدس وكان على ما قيل يحفظ ثلث صحاح الجوهري وكان مطرحا صغير العمامة يمشى في الليل بين القصرين بقميص وطاقية فقط وربما ضجر من الأشغال فأخذ الطلبة ومشى بهم بين القصرين والقى لهم الدروس وكان متين الديانة وله أبهة وجلالة في صدور الناس وكان بعض القضاة إذا انفرد بشهادة حكمه فيها وثوقا بديانته واقتنى كتبا نفيسة اخبرني الشيخ نجم الدين الصفدي وكان ممن قرأ عليه قال : قال الشيخ بهاء الدين ما يزال عندي كتب بآلف دينار واحضر سوق الكتب دايما ولابد أن يتجدد لي علم بأتم كتاب ما سمعت به انتهى ولم يتزوج قط وكانت له أوراد من العبادة وكان يسعى في حوايج الناس ويقضيهم واخبرني القاضي الرئيس عماد الدين ابن القيسراني أنه لم يكن يأكل العنب قال لأنه كان يحبه فآثر أن يكون نصيبه في الجنة واخبرني الحافظ ابن سيد الناس في : زكي بعض الفقهاء تزكية عند بعض القضاة ما زكاها أحد قط لأنه أمسك بيد الذي زكاه وقال للقاضي يا مولانا الناس ما يقولون ما يؤمن على الذهب والفضة إلا حمار قال : نعم قال : وهذا حمار وانصرف فحكم القاضي بعدالة ذلك الفقيه واخبرني أيضا أن الأمير علم الدين الشجاعي لما فرغت المدرسة المنصورية بين القصرين في أيام السلطان الملك المنصور قلاون طلبه الأمير المذكور فتوجه إليه وعمامته صغيرة بكراتة على مصطلح أهل حلب فلما جلس عنده ولم يكن رآه أخذ الأمير يتحدث بالتركي مع بعض مماليكه قال : يا أمير المملوك يعرف بالتركي فاعجب الأمير هذه الحركة منه وقال له : السلطان قد فوض إليك تدريس التفسير بالقبة ونهار غد يحضر السلطان والأمراء والقضاة والناس فغداً تحضر وتكبر عمامتك هذه قليلا فانصرف ولما كان من الغد رآه الأمير علم الدين من بعيد وهو جايز إلى المدرسة بتلك العمامة فجهز إليه يقول ما قلت لك : تكبر عمامتك قليلا ؟ فقال : يا مولانا تعلموني مسخرة واراد أن يرجع فقال الأمير علم الدين : دعوه يدخل فلما جلس مع الناس نظر الملك المنصور إلى الذين هناك فقال : هذا ما هو الشيخ بهاء الدين ابن النحاس ؟ قالوا : نعم فقال : هذا اعرفه لما كنت ساكن في المدينة والناس يقرأون عليه وشكر الشجاعي على إحضاره قال الشيخ فتح الدين فلم يعرف السلطان غيره ولا اثني الا عليه واخبرني عنه غير واحد أنه لم يزل عنده في بيته من أصحابه ومن الطلبة من يأكل على ما يدته لا يدخر شيئا ولا يخبأه عنهم وهنا أناس يلعبون الشطرنج وهنا أناس