الأمير الكبير المهيب سيف الدين أبو سعيد نائب السلطنة بالشام . جلب إلى مصر وهو حدث فنشأ بها وكان أبيض إلى السمرة . رشيق القد مليح الشعر خفيف اللحية قليل الشيب حسن الشكل طريفه جلبه الخواجا علاء الدين السيواسي فاشتراه الأمير حسام الدين لاجين فلما قتل لاجين في سلطنته صار من خاصكية السلطان وشهد معه واقعة وادي الخزندار ثم وقعة شقحب . أخبرني القاضي شهاب الدين ابن القيسراني قال : قال لي يوماً أنا والأمير سيف الدين طينال من مماليك الملك الأشرف سمع صحيح البخاري غير مرة من ابن الشحنة وسمع كتاب الآثار للطحاوي وصحيح مسلم وسمع من عيسى المطعم وأبي بكر ابن عبد الدايم وحدث . قرأ عليه المقريزي - هو الشيخ محيي الدين عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن تميم المقريزي الحنبلي : جد والد أبي علي بن عبد القادر - ثلاثيات البخاري بالمدينة النبوية . أمره السلطان الملك الناصر إمرة عشرة قبل توجهه إلى الكرك وكان قد سلم إقطاعه إلى الأمير صارم الدين صاروجا المظفري وكان على مصطلح الترك آغا له ؛ ولما توجه إلى الكرك كان في خدم السلطان . وجهزه مرة إلى دمشق رسولاً إلى الأفرم ؛ فاتهمه أن معه كتباً إلى أمراء الشام فحصل له منه مخافة شديدة وفتش وعرض عليه العقوبة . فلما عاد إلى السلطان عرفه بذلك فقال له : إن عدت إلى الملك فأنت نائب دمشق . فلما حضر من الكرك جعل الأمير سيف الدين أرغون الدوادار نائب السلطنة بمصر بعد إمساك الجوكندار الكبير وقال لتنكز ولسودي : احضرا كل يوم عند أرغون وتعلما منه النيابة والأحكام فبقيا كذلك سنة يلازمانه فلما مهرا جهز سيف الدين سودي إلى حلب نائباً وسيف الدين تنكز إلى دمشق نائباً فحضر إليها على البريد هو والحاج سيف الدين أرقطاي والأمير حسام الدين طرنطاي البشمقدار فكان وصولهم إليها في شهر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وسبع مائة وتمكن في النيابة . وسار بالعساكر إلى ملطية فافتتحها وعظم شأنه وهابه الأمراء بدمشق ونواب الشام وأمن الرعايا به ولم يكن أحد من الأمراء ولا من أرباب الجاه يقدر يظلم أحداً ذمياً أو غيره خوفاً منه لبطشه وشدة إيقاعه . ولم يزل في ارتقاء وعلو درجة يتضاعف إقطاعه وإنعامه وعوائده من الخيل والقماش والطيور الجوارح حتى كتب له اعز الله أنصار المقر الكريم العالي الأميري وفي الألقاب : الأتابكي الزاهدي العابدي وفي النعوت : معز الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين . وهذا لم تعهده يكتب عن سلطان لنائب ولا غير نائب على اختلاف الوظائف والمناصب . وكان السلطان لا يفعل شيئاً في الغالب حتى يسير إليه ويستشيره فيه وقلما كتب إلى السلطان في شيء فرده ومهما قرره من إمرة ونيابة ووظيفة وقضاء وإقطاع وغير ذلك ترد التواقيع السلطانية بإمضائها . ولم اسمع أنا ولا غيري أنه أعطى لأحد إقطاعاً ولا إمرة ولا وظيفة كبيرة كانت أو صغيرة فأخذ عليها رشا ؛ بل كان عفيف اليد والفرج . وقال لي شرف الدين النشو : إن إنعامه الذي خصه من السلطان في سنة ثلاث وثلاثين وسبع مائة بلغ ألف ألف درهم وخمسين ألف درهم خارجاً عن إنعامه من الخيل والسروج وما له على الشام من العين والغلة والغنم . ثم رأيت أوراقاً بيده فيها كلفته وهي : ثلاثة وعشرون قائمة بما يحتاج إليه في أمره . من جملة ذلك طبلاً باز ذهباً صرفاً زنتهما ألف مثقال والقباء العفير الذي يلبسه . آخرا قال لي النشو : إنه يتقوم على السلطان بألفي دينار مصرية فيه ألف وخمس مائة دينار . ثم توجه بعد ذلك أربع مرات فيما أظن وفي كل مرة يتضاعف له الإنعام وزاد تمكنه وهيبته إلى أن كان أمراء مصر من الخاصكية يخافونه . ولقد حدثني الأمير سيف الدين قرمشى الحاجب : إن السلطان قال له : يا قرمشي لي ثلاثين سنة وأنا أحاول من الناس أن يفهموا عني ما أرومه في حق الأمير ولم يفهم الناس عني ذلك وناموس الملك يمنع من قولي ذلك بلساني وهو أني لا أقضي حاجة لأحد إلا على لسانه أو بشفاعته ودعا له بطول العمر . فبلغه ذلك فقال : بل أموت في حياة مولانا السلطان . فلما أنهى ذلك الأمير سيف الدين قرمشي إلى السلطان قال له : قل له لا أنت إذا عشت بعدي نفعتني في أولادي وحريمي وأهلي وإذا مت قبلي إيش أعمل مع أولادك . أكثر ما يكونون أمراء وها هم الآن أمراء في حياتك أو كما قال . واعتمد