فلما نمي هذا الشعر إلى المأمون قال : والله ما ندري أخيراً أراد أم شراً . وقال الطبري : دخل المأمون على بوران الليلة الثالثة من وصوله إلى فم الصلح فلما جلس معها نثرت عليه جدتها ألف درة كانت في صينية ذهب فأمر المأمون أن تجمع وسألها عن عدد الدر كم هو فقالت : ألف حبة فوضعها في حجرها وقال : هذا نحلتك وسلي حوائجك فقالت لها جدتها : كلمي سيدك فقد أمرك فسألته الرضى عن إبراهيم بن المهدي فقال : قد فعلت وأوقد تلك الليلة شمعة من عنبر وزنها أربعون منا في تور من ذهب فأنكر ذلك عليهم وقال هذا سرف ويحكى أنه لما قام إلى بيت الخلاء وجد ستارة البيت من جنس الحلة التي عليه فغضب وأحرقها بالشمعة التي معه فلما عاد في الليلة الثانية وجد آخر مثله فأحرقه فلما عاد في الليلة الثالثة وجد آخر مثله فهم بإحراقه فقالت الجارية : يا أمير المؤمنين لا تتعب فمعنا من هذا أربعون حلة . وقيل إن المأمون لما هم بالدخول بها دافعوه لعذر بها فلم يقبل فلما دخل بها وجدها حائضاً فقالت : أتى أمر الله فلا تستعجلوه فتركها فلما قعد للناس دخل أحمد بن يوسف الكاتب عليه وقال : يا أمير المؤمنين هنأك الله بما أخذت من اليمن والبركة وشدة الظفر بالمعركة فأنشد المأمون : .
فارس ماض بحربته ... عارف بالطعن في الظلم .
رام أن يدمي فريسته ... فاتقته من دم بدم .
فعرض بحيضها وهذا من أحسن الكنايات . وكان هذا العرس في شهر رمضان سنة عشر ومائتين وعقد عليها في سنة اثنتين ومائتين . وتوفي المأمون وهي في عصمته وبقيت بعده إلى أن توفيت سنة إحدى وسبعين ومائتين وعمرها ثمانون سنة ودفنت في قبة مقابلة مقصورة جامع السلطان وتوفي المأمون سنة ثماني عشرة ومائتين . وكانت قيمة بعلم النجوم يؤيد ذلك ما ذكره الجهشياري في كتاب الوزراء في ترجمة أخيها الفضل بن الحسن وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى .
بوري .
تاج الملوك ابن أيوب .
بوري بن أيوب بن شادي بن مروان مجد الدين تاج الملوك أبو سعيد ؛ كان أصغر أولاد أبيه وهو أخو السلطان صلاح الدين . وكان أديباً فاضلاً له ديوان شعر . نوفي على حلب سنة تسع وسبعين وخمسمائة وعاش ثلاثاً وعشرين سنة وشهوراً من طعنة أصابت ركبته يوم نزل أخوه عليها فمرض منها . وكان السلطان قد أعد للصالح إسماعيل صاحب حلب ضيافة في المخيم بعد الصلح فجاءه الحاجب وهو على السماط فأسر إليه موت بوري أخيه فلم يتغير وأمر بتجهيزه . ودفنه سراً وأعطى الضيافة حقها وكان يقول : ما أخذنا حلب رخيصة . وبوري بالعربي ذئب . ومن شعره في أحد مماليكه وقد أقبل من جهة المغرب راكباً على فرس أشهب : .
أقبل من أعشقه راكباً ... من جانب الغرب على أشهب .
فقلت : سبحانك يا ذا العلا ... أشرقت الشمس من المغرب .
ومنه : .
يا غزالاً يميت طوراً ويحيي ... وهو برء السقام سقم الصحيح .
هذه المعجزات ليست لظبي ... إنما هذه فعال المسيح .
ومنه قوله : .
أيا حامل الرمح الشبيه بقده ... ويا شاهراً سيفاً حكى لحظه عضبا .
ضع الرمح واغمد ما سللت فربما ... قتلت وما حاولت طعناً ولا ضربا .
ومنه أيضاً : .
شربت من الفرات ونيل مصر ... أحب إلي من شط الفرات .
ولي في مصر من أصبو إليه ... ومن في قربه أبداً حياتي .
فقلت وقد ذكرت زمان وصل ... تمادى بعده روح الحياة .
أرى ما أشتهيه يفر مني ... ومن لا أشتهيه إلي باتي .
ومنه قوله : .
يا حياتي حينى يرضى ... ومماتي حين يسخط .
آه من ورد على خد ... يك بالمسك منقط .
بين أجفانك سلطا ... ن على ضعفي مسلط .
قد تصبرت وإن بر ... ح بي الشوق وأفرط .
فلعل الدهر يوماً ... بالتلاقي منك يغلط .
ومنه : .
رمضان بل مرضان إلا أنهم ... غلطوا إذا في قولهم وأساءوا .
مرضان فيه تخالفا فنهاره ... سل وأما ليله استسقاء .
تاج الملوك