أيدمر الأمير عز الدين العلاني أخو أيدكين الصالحي كان أميناً محياً للعلماء والفقراء . وكان الملك الظاهر يتحقق منه الأمانة لأنهم كانوا لما خرجوا وكانوا يأكلون بقائم سيفهم في الأغوار كانوا إذا جاؤوا إلى زرع وأطلقوا خيلهم فيه أمسك العلاني فرسه بيده ولم يطعمه إلا ما يشتر به بماله من الفلاحين . فلما ملك الظاهر صفد ولاه النيابة بها وكان يقول : هو قاضي الترك . اتفق أنه بعض البحرية نطفت الطوافة من يده فوقعت في مكان فيه قشر أرز فاحترق وكان هناك حواصل منجنيقات فاحترقت فما أمكن العلاني إلا أن يطالع الظاهر بذلك وقال آخر المطالعة : وقد بذل المذكور لبيت المال ألف دينار . فجاء الجواب من الظاهر أن يشنق وما لنا حاجة بالذهب . فأعاد الجواب إنه قد دفع في نفسه ألفي دينار . كل هذا وذلك البحري ما يعلم ما جرى وإنما العلاني التزم بأن يزن ذلك من ماله ولا يدخل في شنق رجل احترق بسببه خشب . فجاء الجواب من الظاهر : اشنقه بلا معاودة وإلا بعثنا من يشنقك ويشنقه ؛ فقال : يا مسلمين واحد تحترق خشبه بغير علمه أشنقه ؟ والله هذا لا فعلته ومهما أراد السلطان يقعل . وأصر على عدم شنقه وكان الناس يخافون الظاهر فقال والي القلعة : أنا أشنقه فأخذوه وشنقوه في يوم ثلج . ولما فرغوا من شنقه كان قد وصل إلى باب القلعة بيت ذلك المشنوق من الديار المصرية على الجمال في المحاير فقالوا لهم : بيت من أنتم ؟ قالوا : بيت فلان فقالوا لهم : هو ذلك المشنوق . فراحوا بالجمال إليه وعملوا عزاءه . فلما بلغ العلاني ذلك ازداد تأسفه وحزنه . وتوفي الأمير عز الدين العلاني سنة ست وسبعين وست مائة .
المحيوي .
أيدمر المحيوي فخر الترك عتيق محيي الدين أبي المظفر محمد بن محمد بن سعيد بن ندى . نقلت من خط ابن سعيد المغربي في كتاب المشرق في أخبار المشرق في ترجمة هذا قال : بأي لفظ أصفه ولو حشدت جيوش البلاغة لفضله لم أكن أنصفه . نشأ في الدوحة السعيدية فنمت أزاهره وطلع بالسماء الندائية فتمت زواهره جمعت لأقرانه أعلام الفنون حتى خرج آية في كل فن وبرع في المنثور والموزون مع الطبع الفاضل الذي عضده وبلغه من رياسة هذا الشأن ما قصده . وكنت قبل أن أرتقي إلى السماء المحيوية كثيراً ما أسمع الثناء في هذه الطريقة عليه فيهوى السمع والعين والقلب إليه لا سيما حين سمعت قوله الذي أتى فيه بالإغراب وترك مهياراً معلقاً منه بالأهداب من الوافر : .
بالله إن جزت الغوير فلا تغر ... بالميل منك معاطف الغزلان .
واستر شقائق وجنتيك هناك لا ... ينشق قلب شقائق النعمان .
وأورد له : .
الروض مقتبل الشبيبة مونق ... خضل يكاد غضارة يتدفق .
نثر الندى فيه لآلئ عقده ... فالزهر منه متوج وممنطق .
وارتاع من مر النسيم به ضحى ... فغدت كمائم نوره تتفتق .
وسرى شعاع الشمس فيه فالتقى ... منها ومنه سنا شموس تشرق .
والغصن مياس القوام كأنه ... نشوان يصبح بالنعيم ويغبق .
والطير ينطق معرباً عن شجوه ... فيكاد يفهم عنه ذاك المنطق .
غرداً يغني للغصون فتنثني ... طرباً جيوب الظل منه تشفق .
والنهر لما راح وهو مسلسل ... لا يستطيع الرقص ظل يصفق .
وسلافة باكرتها في فتية ... من مثلها خلق لهم وتخلق .
شربت كثافتها الدهور فما ترى ... في الكأس إلا جذوةً تتألق .
يسعى بها ساق يهيج به الهوى ... ويري سبيل العشق من لا يعشق .
تتنادم الألحاظ منه على سنا ... خد تكاد العين فيه تغرق .
راق العيون غضاضةً ونضارةً ... فهو الجديد ورق فهو معتق .
ورنا كما لمع الحسام المنتضى ... ومشى كما اهتز القضيب المورق .
وأظلنا من فرعه وجبينه ... ليل تألق فيه صبح مشرق .
وكأن مقلته تردد لفظةً ... لتقولها لكنها لا تنطق .
فإذا العيون تجمعت في وجهه ... فاعلم بأن قلوبها تتفرق .
منها في المديح :