وبكى فقال له قراسنقر : روج بلا فشار نبكي عليهم ولا يبكون علينا ! .
فقال : ما بي إلا فراق ابني موسى . فقال : أي بغاية بصقت في رحمها جاء منها موسى وعلي وخليل... وذكر أسماء . قال : ولم ندخل ميافارقين إلا وقد أملق ونفد ما كان معه وما كان يقوم به إلا قراسنقر وألجأتنا الضرورة إلى أنني كنت أحطب والأفرم ينفح النار والمماليك ينام هنا وهنا ما فيهم من يرحمه ولا من ينفخ النار عنه ويقول لي : والك ياسنجر تبصر ؟ فأقول له : أبصرت . فيتنهد وتترغرغ عيناه بالدموع . فلما وصلنا إلى بيوت سوتاي أضافنا ضيافةً عظيمةً ونصب لنا خيمةً كبيرة كان كسبها من المسلمين وعليها ألقاب السلطان الملك الناصر فلما قام الأفرم ليتوضأ قال لي : والك يا سنجر كيف نعاند القدرة ونحن في المكان وقد خرجنا من بلاده وهو فوق رؤوسنا وإذا كان الله رفعه كيف نقدر نحن نضعه ؟ قال سنجر : ومن حين وصلنا إلى بيوت سوتاي عاد إلينا ناموس الإمرة ومشت المماليك معه على العادة وأجري علينا من الرواتب ما لم تحتج معه إلى شيء آخر ولم نزل كذلك حتى وصلنا الأردو فازداد إكرامنا وتوالى الإنعام علينا . وركب خربندا يوماً ودار حتى انتهى إلينا فوقف وخرج له الأفرم وضرب له جوكاً وقدم له خيلاً بسروجها ولجمها وأشياء أخر فقبلها واستدعى بشرابٍ فشرب منه وأمسك أياقاً للأفرم فضرب له جوكاً وشربه فأمر له بخمسين توماناً فقبضناها من خواجا علي شاه ثم أعطاه همذان . وقصدته الفداوية مرات ولم يظفروا به وقفز عليه مرةً واحد منهم والأفرم قاعد وقدامه بيطار ينعل له فرساً فأمسكه بيده وضمه إلى إبطه ولم يزل كذلك حتى أخذناه وقرره ثم قتله . قال : وأحضر الأطباء فملأوا فمي زيتاً وأعطوني محاجم وبقيت أمتص الجرح ثم إنهم عالجوه وبرئ . ثم إن الأفرم مات حتف أنفه بقضاء الله وقدره بهمذان بعد العشرين وسبعمائة ودفن بها .
ولما كان بصرخذ كتب إليه الشيخ صدر الدين من دمشق قرين فاكهة وحلوى من الطويل : .
أيا جيرةً بالقصر كان لهم مَغْنى ... رحلتم فعاد القصر لفظاً بلا معنى .
وأظْلمَ لمّا غاب نور جماله ... وقد كان من شمس الضحى نوره أسنى .
فلا تحسبوا أنّ الديار وطيبها ... زمانكمُ لا والذي أذهب الحُسْنا .
لقد كانت الدنيا بكم في اغضارةٍ ... ونُعمْى فأعمى الله عيناً أصابتنا .
ولا رقْت الآصالُ إلاّ صبابةً ... ولا حَرّكتْ ريحْ الصبا طرباً غُصْنا .
يَعِزُّ عليهم بُعدُ داريَ عنهمُ ... وقد كنتُ منهم قابَ قوسين أو أدنى .
وأنّي ألاقي ما لقيتُ من الذي ... لقلبيَ قد أصمْى وجسميَ قد أضنى .
لقد كنتمُ يا جيرةَ الحيّ رحمةً ... أيادكمُ تمحو الإساءة بالحسنى .
فجاءته الهدية والأبيات صحبة قاصده وكان الأفرم قد خرج للصيد فقال للخازندار : كم معك ؟ فقال : ألف دينار . فقال : ما تكفي الشيخ صدر الدين ! .
يا صبيان أقرضوني حوائصكم ! .
فأخذها وهي عشرون حياصةً وجهزها قرين الدراهم إليه . وقال لقاصده : سلم على الشيخ وقل له من الوافر : .
على قدر الكِسا مدَّيتُ رِجلي ... وإن طال الكِسا مَدَّيتُ زادهُ .
وكان رنكه غايةً في الظرف وهو دائرة بيضاء يشقها شطبي أخضر عليه سيف أحمر يمر من البياض الفوقاني إلى البياض التحتاني على الشطب الأخضر . وقال الشعراء فيه ومن أحسنه قول نجم الدين هاشم الشافعي من الطويل : .
سيوفٌ سقاها من دماء عُدَاته ... وأقسم عن ورد الرَّدى لا يَرُدُّها .
وأبرزها في أبيضٍ مثل كفِّه ... على أخضرٍ مثل المِسَنِّ يحدُّها .
وقيل : إن النساء الخواطئ وغيرهن كن ينقشنه على معاضمهن وفروجهن . وبالجملة كان أهل دمشق يبالغون في محبته .
قتال السبع .
آقوش الأمير جمال الدين المنصوري المعروف بقتال السبع . توفي C في سنة عشرٍ وسبعمائة .
جمال الدين نائب الكرك .
آقوش الأمير جمال الدين الأشرفي نائب الكرك كان نائب الكرك ثم ولاه السلطان نيابة دمشق بعد إمساك الأمير سيف الدين كراي فأقام قليلاً وعزله بالأمير سيف الدين تنكز وتوجه إلى مصر . وكان معظماً إلى الغاية يجلس رأس الميمنة ويقوم له السلطان إذا دخل ميزةً له عن غيره