وهو من بيت رياسة وعلم عنده كتب كثيرة وأصول جيدة سمع وقرأ وارتحل وكتب وصنف وحدث وأجاز وتفرد بالحديث في وقته أجاز له النجيب عبد اللطيف وكناه أبا الفتح وأجلسه ف يحجره وسمع حضوراً سنة خمس وسبعين من القاضي شمس الدين محمد بن العماد وفي سنة خمس وثمانين كتب الحديث بخطه عن الشيخ قطب الدين ابن القسطلاني وقرأه بلفظه عليه وعلى اصحاب ابن طبرزد وأصحاب الكندي وابن الحرستاني بمصر والشام والحجاز والاسكندرية وارتحل إلى دمشق سنة تسعين وكاد يدرك الفخر ابن الفخاري ففاته بليلتين وسمع من أبي عبد الله محمد بن مؤمن الصوري ومن أبي الفتح ابن المجاور وأبي اسحاق ابن الواسطي وطبقتهم وسمع بمصر من العز عبد العزيز بن الصيق وغازي الحلاوي وابن خطيب المزة والصفي خليل وتلك الطبقة وتنزل في الأخذ من أصحاب سبط السلفي ثم إلى أصحاب الرشيد العطار قال الشيخ شمس الدين : ولعل مشيخته يقاربون الألف ونسخ بخطه واختار وانتقى شيئاً كثيراً ولازم الشهادة مدة قال الشيخ شمس الدين : جالسته مرات وبت معه ليلة وسمعت بقراءته على الرضى النحوي وكان طيب الأخلاق بساماً صاحب دعابة ولعب وكان صدوقاً في الحديث حجة فيما ينقله له بصر نافذ بالفن وخبرة بالرجال وطبقاتهم ومعرفة بالاختلاف ويد طولى في علم اللسان ومحاسنه جمة انتهى كلام الشيخ شمس الدين قلت صحبته زماناً طويلاً ودهراً داهراً ونمت معه ليالي وخالطته أياماً وأقمت بالظاهرية وهو بها شيخ الحديث قريباً من سنتين فكنت أراه في كثير من الأوقات يصلي كل صلاة مرات كثيرة فسألته يوماً عن ذلك فقال إنه خطر لي يوماً أن أصلي كل صلاة مرتين ففعلت ذلك زماناً ثم خطر لي أن أصلي كل صلاة ثلاث مرات ففعلت ذلك زماناً وخف علي ثم خطر لي أن أصلي كل صلاة أربع مرات ففعلت ذلك زماناً وخف علي فعله وأنسيت هل قال لي خمس مرات أو لا وكان صحيح القراءة سريعها كأنها السيل إذا تحدر سريع الكتابة كتب ختمة في جمعة وكان يكتب السيرة التي له في عشرين ويماً وهي مجلدان كبيران وكان صحيح العقيدة جيد الذهن يفهم به النكت العقلية ويسارع إليها ولكنه جمد ذهنه لاقتصاره به على النقل وكان الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد يحبه ويؤثره ويركن إلى نقله أخبرني من لفظه القاضي عماد الدين اسماعيل ابن القيسراني قال : كان الشيخ تقي الدين إذا حضرنا درسه وتكلم فإذا جاء ذكر أحد من الصحابة أو أحد من رجال الحديث قال أيش ترجمة هذا يابا الفتح فيأخذ فتح الدين في الكلام ويسرد والناس كلهم سكوت والشيخ مصغ إلى ما يقوله انتهى قال لي لم يكن لي في العروض شيخ ونظرت فيه جمعة فوضعت فيه مصنفاً وقد رأيت هذا المصنف قلت ولو كان اشتغاله بقدر ذهنه كان قد بلغ الغاية القصوى ولكنه كان فيه لعب على أنه ما خلف مثله لإنه كان متناسب الفضائل وكان محظوظاً ما رآه أحد إلا أحبه كان الأمير علم الدين الدواداري يحبه ويلازمه كثيراً ويقضي أشغال الناس عنده ودخل به إلى السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين وقال أيضاً : امتدحه بقصيدة وقال احضرت لك هذا وهو كبير من أهل العلم فلم يدعه السلطان يبوس الأرض وأجلسه معه على الطراحة وهل قام له أو لا أنا في شك من ذلك فلما رأى خطه وسمع كلامه قال هذا ينبغي أن يكون في ديوان الإنشاء فرتب في جملة الموقعين فرأى فتح الدين الملازمة ولبس الخف والمهماز صعباً عليه فسأل الإعفاء من ذلك فقال السلطان إذا كان لا بد له من ذلك فيكون المعلوم له على سبيل الراتب فرتب له إلى أن مات وكان الكمالي ينام معه في قرظية النوم وكان كريم الدين الكبير يميل إليه ويوده ويقضي الإشغال عنده وهو الذي ساعده على عمل المحضر واثباته بعداوة قاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة وسمع البخاري بقراءته على الحجار وتعصب له الأمير سيف الدين أرغون الدوادار وخلص له مشيخة الظاهرية في الحديث وما أعرف أحداً من الأمراء الكبار الأعيان في الدولة إلا وهو يميل إليه ويجتمع به وكان الأمير سيف الدين الجائي الدوادار منحرفاً عنه والقاضي فخر الدين ناظر الجيش شيئاً يسيراً وكان بيده مع مشيخة الظاهرية مدرسة أبي حليقة على بركة الفيل ومسجد الرصد وخطابة جامع الخندق وله رزق وله في صفد راتب وفي حلب فيما أظن وكان عنده كتب كبار أمهات جيدة وأصول غالبها حضر إليه من تونس كمصنف ابن أبي شيبة ومسنده