كان أبو القاسم وزير مؤيد الدولة بن ركن الدولة بن بويه وأخيه فخر الدولة وكانت وزارته ثماني عشرة سنة وشهراً واحداً . وهو أول من سمي الصاحب من الوزراء لأنه صحب مؤيد الدولة من الصبي وسماه الصاحب فغلب عليه هذا اللقب . وقيل : لأنه كان صاحب ابن العميد . وتوفي سنة خمس وثمانين وثلاثمائة وفي سنة أربع وعشرين وثلاثمائة مات والده عباد وهي السنة التي ولد فيها الصاحب أبو القاسم إسماعيل وكان من أهل العلم سمع أبوه أبا خليفة الفضل بن الحباب وغيره من البغداديين والرازيين والأصبهانيين وصنف كتاباً في أحكام القرآن نصر فيه مذهب الاعتزال . ولما مات الصاحب أبو القاسم إسماعيل أغلقت له مدينة الري واجتمع الناس على باب قصره ينتظرون خروج جنازته وحضر مخدومه فخر الدولة وسائر القواد وقد غيروا لباسهم فلما خرج نعشه صاح الناس بأجمعهم صيحةً واحدةً وقبلوا الأرض ومشى فخر الدولة أمام الجنازة وقعد للجنازة أياماً . ورثاه أبو سعيد الرستمي فقال من الطويل : .
أبعْدَ ابن عبّادٍ يَهشُّ إلى السُّرى ... أخو أملٍ أو يُستماح جوادُ .
أبى الله إلاّ أن يموتا بموته ... فما لهم حتى المعاد معادُ .
وقال أبو القاسم ابن أبي العلاء الشاعر الأصبهاني : رأيت في المنام كأن قائلاً يقول لي : لِمَ لمْ ترث الصاحب مع فضلك وشعرك ؟ فقلت : ألجمتني كثرة محاسنه فلم أدر بما أبدأ منها وخفت أن أقصر وقد ظن بي الاسيتفاء لها . فقال : أجز ما أقوله ! .
فقلت : قل ! .
فقال من الطويل : .
ثَوى الجود والكافي معاً في حُفيرةٍ .
فقلت : .
لِيأنسَ كلٌّ منهما بأخيه .
فقال : .
هما اصْطَحَبا حَيَّيْنِ ثّم تعانقا .
فقلت : .
ضَجيعَين في لحدٍ ببابِ ذَرِيِه .
فقال : .
إذا ارتحل الثاوونَ عن مستقرّهم .
فقلت : .
أقاما إلى يوم القيامة فيه .
وكان الصاحب نادرة عصره وأعجوبة دهره في الفضائل والمكارم . أخذ الأدب عن ابن العميد وابن فارس وسمع من أبيه ومن غير واحد وحدث وأملي . واتخذ لنفسه بيتاً سماه بيت التوبة وجلس فيه أسبوعاً وأخذ خطوط الفقهاء بصحة توبته وخرج متحنكاً متطلساً بزي أهل العلم وقال للناس : قد علمتم قدمي في العلم فكل أقر له بذلك وقالك قد علمتم أني متبلس بهذا الأمر الذي أنا فيه وجميع ما أنفقته من صغري إلى وقتي هذا من مال أبي وجدي ثم مع هذا كله لا أخلو من تبعات أشهد الله وأشهدكم أني تائب إلى الله D من كل ذنب أذنبته . ولبث في ذلك البيت أسبوعاً ثم خرج فقعد للإملاء وحضر الناس الكثير إلى الغاية كان المستملي الواحد لا يقوم بالإملاء حتى انضاف إليه ستة كل يبلغ صاحبه وكان الأول ابن الزعفراني الحنفي وكان إذ ذاك رئيسهم فما بقي في المجلس أحد من أهل العلم إلا وقد كتبه حتى القاضي عبد الجبار وهو قاضي القضاة بالري