قال ياقوت : ووجد بخط ابن مماتي من الكامل : .
صحَّ التمثّل في قدي ... م الدهر أن العود أحمدْ .
وكان الخطير يوماً جالساً في ديوانه في حجرة موسومة بديوان الجيش من قصر السلطان بمصر وكان بها رخام وتنميق فجاءه قوم وأقاموه فقال : ما الخبر ؟ فقالوا : قد تقدم الملك العادل بأخذ رخام هذه الحجرة فخرج منكسفاً وقال : استجيبت فينا دعوة وما أظنني أجلس في ديوان بعدها أما سمعتم إذا بالغوا في الدعاء علينا قالوا : خرب الله ديوانه ! .
وما بعد الخراب إلا اليباب ثم دخل منزله وحم فلم يخرج منه إلا ميتاً فلما مات خلفه ابنه الأسعد صاحب الترجمة .
وللخطير شعر منه ما قاله في أبي سعيد ابن أبي اليمن النحال بالحاء المهملة وزير العادل وكان نصرانياً وكان ابن النحال حسن الصورة من السريع : .
وشادنٍ لّما أتى مُقْبلاً ... سبّحتُ رَبّ العرش باريه .
ومذ رأيتُ النَّمْل في خدّه ... أيقنتُ أنَّ الشّهد في فيه .
وكان ابن النحال يسكن في أول دربٍ آخره صبي مليح يسمى ابن زنبور . فقال الخطير من الطويل : .
حوى دربُ كوز الزير كلَّ شمّرْدل ... مشدَّدة أوساطُهم بالزنانير .
فأوّلُه للشهد والنحل منزل ... وأخره يا سادتي للزنابير .
وأما أسعد المذكور فإنه خلف أباه الخطير على ديوان الجيش وتصدر فيه مدة طويلة واختص بصحبة القاضي الفاضل ونفق عليه وحظي عنده فقام بأمره ونبه على قدره وصنف له عدة تصانيف باسمه ؛ ولم يزل على ذلك إلى أن ملك العادل بن أيوب مصر وكان في نفس الصاحب صفي الدين بن شكر من أسعد لأنه وقعت منه إهانة في حقه فحقدها عليه ولما ورد ابن شكر إلى القاهرة أقبل تعلى ابن مماتي المذكور إقبالاً عظيماً وأقره على وظائفه وتركه على ذلك سنةً ثم عمل له المؤامرات ووضع له المحالات وأكثر فيه التأويلات ولم يلتفت إلى أعذاره ونكبه نكبةً قبيحةً وأحال عليه الأجناد فقصدوه وطالبوه واشتكوه إلى أن شكر فحكمهم فيه . قال أسعد بن مماتي فآل أمري إلى أن علقت على باب داري في يومٍ واحدٍ عشرة مرةً فلما رأوا أن لا وجه لي قالوا : تحيل ونجم هذا المال ! .
فقلت : أما المال فلم يبق عندي مال ولكن إن أطلقت استجديت ممن يخافني ويرجوني ! .
فنجموا علي المال وأطلقت فاستترت وقصدت القرافة وأخفيت نفسي في مقبرة الماذرائيين وأقمت بها سنةً وضاق الأمر علي فهربت إلى الشام على اجتهادٍ من الستر والخفاء فلحقني في الطريق فارس مجد فسلم علي ودفع إلي كتاباً ففضضته وإذا هو من ابن شكر يقول فيه : لا تحسب أن استتارك خفي علي فكانت أخبارك تأتيني كل يوم بيومه وقد كنت في قبور الماذرائيين بالقرافة منذ يوم كذا واجتزت ورأيتك ولما هربت الآن علمت خبرك ولم أرد ردك ولو شئت رددتك ولو علمت أنه بقي لك مال أو حال ما تركتك ولم يكن ذنبك عندي ما أبلغ في مقابلته عدم روحك وإنما كان مقصودي أن تعيش خائفاً فقيراً غريباً مهججاً في البلاد فلا تظن أنك هربت مني بمكيدة خفيت علي فاذهب إلى غير دعة الله ! .
قال : وتركني القاصد وعاد فوقفت مبهوتاً إلى أن وصلت إلى حلب .
ولما وصل إلى حلب تلقاه الظاهر غازي بالإكرام وأجرى عليه في كل شهر عشرة دنانير غير برٍ وألطاف وأقام عنده على قدم العطلة من سنة أربع وستمائة إلى أن مات سنة ست وستمائة بحلب ودفن بالقرب من تربة أبي بكر الهروي .
وكان علم الدين ابن الحجاج شريكه في الجيش فهجاه بعدة أشعارٍ منها من الوافر : .
حكى نهرَين ما في الأر ... ض مَن يحكيهما أبَدا .
فَفي أفعاله ثورا ... وفي ألفاظه بَردَى .
وكانت له نوادر حدة . لما أحدث الملك الظاهر قناة الماء بحلب وأجراها في دورها وشوارعها جعل السديد بن المنذر ينظر في مصالحها ورزقه في الشهر على ذلك ثلثمائة درهم فسأل عنه يوماً الأمير فارس الدين ميمون القصري فقال ابن مماتي مسرعاً : هو اليوم مستخدم على القناة .
وقيل له يوماً : أي شيء يشبه ابن المنذر ؟ فقال : يشبه الزب وكان ابن المنذر أعور فاستبردوا ذلك وظنوه أراد عوره فقال : ما لكم لا تسألوني كيف بشبهه ؟ قالوا : كيف هو ؟ قال : هو أقرع أصلع أعور يسمع بلا أذن يدخل المداخل الردية بحدة واجتهاد ويرجع منكسراً