وتراه يفتخر بالمكر والخداع في قوله : ومكرنا . قال : ومن الكذب قوله " ولقد خلقناكم ثم صوّرناكم ثمّ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم " وهذا قبل تصوير آدم قلت : يفتخر بالمكر والخداع في قوله : ومكرنا . قال : ومن الكذب قوله " ولقد خلقناكم ثم صوّرناكم ثمّ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم " وهذا قبل تصوير آدم قلت : ثم قال ابن الراوندي : ومن فاحش ظلمه قوله " كلما نضجت جلودهم بدّلناهم غيرها " فيعذّب جلودهم ولم تعصه . قلت : الألم للحس لا للجلد . لأن الجلد إذا كان بائناً أو العضو فإن الإنسان لا يألم بعذاب البائن منه . قال : وقوله " لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " . قال : وإنما يكره السؤال رديء السلعة . قلت : لا يشك العاقل وذو اللّب أن الله سكت عن أشياء في كتمها مصالح للعباد . قال : وفي وصف الجنة " فيها أنهارٌ من لبنٍ لم يتغيّر طعمه " . وهو الحليب ولا يكاد يشتهيه إلا الجائع . وذكر العسل ولا يطلب صرفاً والزنجبيل وليس من لذيذ الأشربة والسندس يفترش ولا يلبس وكذلك الاستبرق الغليظ من الدّيباج . ومن تخايل أنه في الجنة يلبس هذا الغليظ ويشرب الحليب والزنجبيل صار كعروس الأكراد والنبط . قلت : أعمى الله بصيرته عن قوله تعالى " فيها ما تشتهي أنفسكم " . وعن قوله تعالى : " ولحم طيرٍ مما يشتهون " ومع ذلك ففيها الّلبن والعسل وغليظ الحرير يريد به الصفيق الملتحم النسج وهو أفخر ما يلبس . وقال : وأهلك ثموداً لأجل ناقة . وقال : " ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله " ثم قال " إن الله لا يهدي من هو مسرفٌ كذّاب " . قال الجبائي : لو علم ابن الراوندي لعنه الله أن الإسراف الأول في الخطايا دون الشرك وأن الإسراف الثاني هو الشرك لما قال هذا . ثم قال : ووجدناه يفتخر بالفتنة التي ألقاها بينهم لقوله : " وكذلك فتنّا بعضهم ببعض " . وقوله تعالى : " ولقد فتنّا الذين من قبلهم " ثم أوجب للذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات عذاب الأبد . قال الجبائي : ولولا أن هذا الجاهل الزنديق لا يعرف كلام العرب ومعانيه المختلفة في الكلمة الواحدة لما قال هذا الكفر ؛ فإن قوله سبحانه وتعالى " فتنا " أي ابتلينا وقوله " فتنوا المؤمنين " أي أحرقوهم . وقال في قوله : " وله أسلم من في السموات والأرض " . هذا خبر محال لأن الناس كلّهم لم يسلموا . وكذلك قوله : " وإن من شيءٍ إلاّ يسبّح بحمده " وقوله : " ولله يسجد ما في السَّموات وما في الأرض " . وقد أبان هذا الزنديق عن جهلٍ وسفهٍ فإن معنى قوله أسلم أي استسلم إذ الخلائق كلّها منقادة لأمر الله مستسلمة لحكمة ذليلة تحت أوامره ونهيه والعرب تطلق الكل وتريد البعض . قال الله تعالى : " تدمّر كلّ شيء بأمر ربّها " . ولو ذهبنا نورد ما تفوّه به من الكفر والزندقة والإلحاد لطال . والاشتغال بغيره أولى والله سبحانه منزه عما يقول الكافرون والملحدون وكذلك كتابه ورسوله A تسليماً كثيراً . وقال السيد أبو الحسين محمد بن الحسين بن محمد الآملي : سمعت والدي يقول قلت لأبي الحسين ابن الراوندي المتكلّم : أنت أحذق الناس بالكلام غير أنك تلحن فلو اختلفت معنا إلى أبي العباس المبرد لكان أحسن . فقال : نعم ما قلت نبهتني لما أحتاج إليه . قال فكان من بعد يختلف إلى أبي العباس المبرد قال : فسمعت المبرد يقول لنا : أبو الحسين ابن الراوندي يختلف إليّ منذ شهر ولو اختلف سنة احتجت أن أقوم من مجلسي هذا وأقعده فيه .
ومن شعره : .
مجن الزمان كثيرةٌ ما تنقضي ... وسرورها يأتيك كالأعياد .
ملك الأكارم فاسترق رّقابهم ... وتراه رقّاً في يد الأوغاد .
ومنه وقيل أنشده : .
أليس عجيباً بأن امرءاً ... لطيف الخصام دقيق الكلم .
يموت وما حصلت نفسه ... سوى علمه أنه ما علم