ورد على المملوك - أدام الله نعمة الجناب الكمالي ولا أسهر جفنه إلا في سبيل المكارم ولا سهّدها إلا في تأويل رؤيا مغارم الفضل التي يراها من جملة المغانم وجعله يتعزّز بحلمه هفوة الطيف وكيف لا يحلم الحالم - كتاب شريف حبّب إليه التشبيه بنصب حبائل الهدب من الجفون والاستغشاء بالنعاس لعلّ خيالاً في المنام يكون . وليغنم اجتماعه ولو في الكرى وتصبح عينه مدينةً وإن مضى عليها زمن وهي من القرى . وينعم طرفه من التلاقي بأحسن الطّرف ويقول هذا من تلك السجايا أطيب الهدايا ومن تلك المزايا ألطف التحف . ويرفع محلّ الطيف فيرقّيه من الهدب في سلالم لا بل يمطيه طرف طرفه ويجعلها له شكائم . لا بل يرخيها لصونه أستاراً ولا يصفها بأنها دخان إذ كان يجلّ موطن الطيف الكريم أن يؤجّج نارا . ويعظمه عن أنه إذا أرسل خياله رائداً أن يتبعه الناظر وأن يكلّفه مشقةً بسلوك مدارج الدموع إذ هي محاجر . ثم يخشى أن يحصل نفور من التغالي في وصف الدموع بأنها سيول فيهول من أمرها ما يهول . ويقول : هل الدمع إلا ماء يرش به بين يدي الطيف وهل الهدب على تقدير أنها دخان إلا ما لعله يرتفع لما يقرى به الضيف وعن إيراد الجفون بهذا وإسخان العيون بهذه هل هما لإيلاف الخيال إلا ما يقصده من رحلة الشتاء والصيف . ثم يحتقر المملوك إنسان عينه عن أنّه يلزمه لهذا الأمر تكليفاً ويتدبر قوله تعالى " وخُلِقَ الإنسانُ ضعيفاً " . ويقول له لا تطيق القيام لهذه الزورة الشريفة من الوظيفة لأن النوم سلطان وأي يد لك مع خليفة الحبيب خليفة الحبيب ويد الخلافة لا تطاولها يد والعيون في الصبا أو الكبر لا توصف إلا بأنها ضعيفة . فيقول : كم مثلي إنسان تطاول لاستزارة الطيف حتى طرق وكم خيال أتى على أعين الناس فجاء محمولاً على الحدق وكم محبّ درأ عن النوم بشبهة تغميض الأجفان عن غير عمد حدَّ القطع على السرق . ثم يأخذ في طريقةٍ غير هذه الطريقة ويرى الاكتفاء بالمجاز عن الحقيقة وإذا أومأت العين للحجة في تصويب استزارة الخيال تقول ما هذه من الحجج التي تسمى وثيقة . وترى أنّ تمثل الشخص لشريف في الخاطر قد أغناه عن أنّه ينقله من الكرى وكفاه أنّه ينشد : .
سرّ الخيال بطيفه لّما سرى .
ولم يحوجه حاشاه إلى أنّه يزوّر له محضرا ولا أنّه ينشد : .
أترى درى ذاك الرقيب بما جرى .
اللّهم ليورد مورد العين انفع ما يدّخر والعين الصافية ما برح عندها من الخيال الخبر وإذا كان القلب متولي الحرب مع الأشواق فكيف يشاحح الخيال على أنّه متولي النظر . فحينئذ يسكن إلى الوسن ويمدّ له من الهدب الرّسن ويزور ويستزير . ويقصر ويتلو : " ويعفو عن كثير " ويذهب لأجل ذاك مذهب من يقّدم على الأيام الليالي ويعظمها لأنّه مظنة هجوم الخيال ويجعل جفونه أرض تلك الهجمة التي يغلب عليها وما برحت تغلب لها أرض الجبال . وأما النيل فكم احتقره المملوك بالنسبة إلى كرم مولانا ونواله ويكره مذاقه بالإضافة إلى زلاله . ويحقق أن مقياس راحته هو الذي يستسعد به الأمم وإن الأصابع من الأصابع الكريمة والعمود القلم وأن طالب ورد ذاك تعب وطالب جود سيدنا مستريح ويكفي واصف نواله له وهو غاية المديح .
قلت : هذان كتابان بين كاتبين كانا فاضلي عصرهما وكاملي دهرهما كل منهما اعتنى بما كتب والمعنى واحد فأنت ترى كتاب ابن عبد الظاهر مشحوناً بالتورية والاستخدام وهو أميل إلى الطريقة الفاضلية على أن كلاّ منهما حلّ منظوم الناس وأشار إلى أبيات مشهورة وأحال عليها ولكن محاسن ابن عبد الظاهر التي من كيسه أحسن . ولو كان هذا موضع الكلام لأوردت الأبيات التي حلاّها وساقها كل منهما في مكاتبته وحلاها ولكن لا يخفي ذلك على المطلع الفاضل .
ومن شعر كمال الدين ابن العطار C تعالى : .
ولما بدا مرخى الذوائب وانثنى ... ضحوك الثنايا مرسل الصدغ في الخدّ .
بدا البدر في الظلماء والغصن في النّقا ... وزهر الربا في الروض والآس في الورد .
وأنشده محيي الدين ابن عبد الظاهر : .
لا تنكرن على الأقلام إن قصرت ... لها مساعٍ ّذا أبصرتها وخطا .
فعارض الطّرس في حد الطروس بدا ... من أبيض الرمل شيب فيه قد وخطا .
فقال كمال الدين :