وللبديع الهمذاني إليه رسالة أجابها ابن مسكويه وذكرهما ياقوت في ترجمة ابن مسكويه في معجم الأدباء . ولابن مسكويه عهد وهذا نصه : هذا ما عاهد عليه أحمد بن محمد وهو يومئذ آمن في سربه معافًى في جسمه عنده قوت يومه لا يدعو إلى هذه المعاهدة ضرورة نفس ولا بدن ولا يريد بها مراءاة مخلوق ولا استجلاب منفعة ولا دفع مضرة - عاهد على أن يجاهد نفسه ويتفقدّ أمره فيعفّ ويشجع ويحكم ؛ علامة عفّته أن يقتصد في مآرب بدنه حتى لا يحمله الشره على ما يضر جسمه أو يهتك مروءته ؛ وعلامة شجاعته أن يحارب دواعي نفسه الذميمة حتى لا تقهره شهوة قبيحة ولا غضب في غير موضعه ؛ وعلامة حكمته أن يستبصر في اعتقاداته حتى لا يفوته بقدر طاقته شيء من العلوم والمعارف الصالحة ليصلح أولاً نفسه ويهذبها ويحصل له من هذه المجاهدة ثمرتها التي هي العدالة ؛ وعليه أن يتمسك بهذه التذكرة ويجتهد في القيام بها والعمل بموجبها وهي خمسة عشر باباً : إيثار الحق على الباطل في الاعتقاد والصدق على الكذب في الأقوال والخير على الشر في الأفعال ؛ وكثرة الجهاد الدائم لأجل الحرب الدائم بين المرء ونفسه ؛ والتمسك بالشريعة ولزوم وظائفها ؛ وحفظ المواعيد حتى ينجزها وأول ذلك ما بيني وبين الله جلّ وعزّ ؛ قلة الثقة بالناس بترك الاسترسال ؛ محبة الجميل لأنه جميل لا لغير ذلك ؛ الصمت في أوقات حركة النفس للكلام حتى يستشار فيه العقل ؛ حفظ الحال التي تحصل في شيء حتى تصير ملكة ولا تفسد بالاسترسال ؛ الإقدام على كل ما كان صواباً ؛ الإشفاق على الزمان الذي هو العمر ليستعمل في المهم دون غيره ؛ ترك الخوف من الموت والفقر ليعمل ما ينبغي وترك التواني ؛ ترك الاكتراث لأهل الشر والحسد لئلاً يشتغل بمقابلتهم وترك الانفعال لهم ؛ وحسن احتمال الغنى ةالفقر والكرامة والهون لجهة وجهه ؛ ذكر المرض وقت الصحة والهم وقت السرور والرضى عند الغضب ليقلّ الطغى والبغي ؛ قوة الأمل وحسن الرجاء والثقة بالله D وصرف جميع البال إليه .
وهذا ابن مسكويه معدود في فلاسفة الإسلام .
أبو جعفر الطبري النحوي .
أحمد بن محمد بن يزداد بن رسم أبو جعفر النحوي الطبري سكن بغداذ . قال الخطيب : وحدّث بها عن نصر بن يوسف وهاشم بن عبد العزيز صاحبي علي بن حمزة الكسائي . وله من الكتب : كتاب غريب القرآن . كتاب المقصور والممدود . كتاب المذكر والمؤنث . كتاب صورة الهمز . كتاب التصريف . كتاب النحو . وكان مؤدباً في دار الوزير ابن الفرات وكان لايوصل إليه إلاّ بالشفاعات والحيل وكان بصيراً بالنحو حاذقاً فيه أخذ القراءة عن نصير ابن يوسف أبي المنذر النحوي .
الوزير اليزيدي .
أحمد بن محمد بن يعقوب بن إسحاق أبو عبد الله اليزيدي من أهل البصرة . كان من ذوي اليسار مع قوة نفس وتهور وإقدام ولي الوزارة للراضي بالله وهو بواسط وخلفه بالحضرة أبو بكر عبد الله بن علي البصري ثمّ عزل وكانت مدة وزارته سنة واحدة وأربعة أشهر وأربعة عشر يوماً . ثم ولي الوزارة للمتقي لله فأقام بالحضرة مشوّشاً عليه أمره ثم اختلف عليه الجند وحاربوه وكسروه فانحدر منهزماً إلى واسط . وكانت مدة هذه الوزارة أربعة وعشرين يوماً ؛ ثم ولي الوزارة للمتقي مرة ثانية وهو بواسط ونفذت إليه الخلع واستخلف له بالحضرة أبو جعفر محمد بن يحيى بن شيرزاد ثم عزل وكانت مدة وزارته خمسة وعشرين يوماً ؛ ثم إنه جمع العساكر واستنجد بعماد الدولة أبي الحسن علي بن بويه الديلمي على التغلب على أعمال خوزستان والبصرة ولما بلغ به ما أراد فارقه . وجرت له أمور وحروب ووقائع يطول شرحها وبعد هذا كله مات حتف أنفه . قال ابن عبدون الطيب : قلت لأبي عبد الله اليزيدي وقد لحقته حمّى خلّط واستعمل القيء . فقال أي شيء أفعل في التخليط أكثر مماّ فعلت جلبت الزنج وجمعت الترك وأحضرت الديلم ورميت فريقاً بفريق وضربت جانباً بجانب فهل بعد ذلك تخليط ؟ وضحك .
ولأبي عبد الله زنجي الكاتب في بني اليزيدي : .
رأيت الدّهر يرفع كلّ وغد ... ولم يك في الحساب بنو اليزيدي .
قرود بالفعال وليس روح ... تخفّ لهم كأرواح القرود .
ولو دفنوا مع الأموات حولاً ... لما بلّوا الثرى بندى صديد .
وتوفي الوزير في سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة .
ابن بكروس الحنبلي