قلت : أجأ وسلمى جبلان معروفان من جبال طيء . وكان السلطان بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل في أول الحال لا ينادمه ولا يحضره مجلسه وإنما كان ينشده أيام المواسم والأعياد المدائح التي يعملها فيه فلما كان في بعض الأيام رآه في الصحراء وهو في روضة معشبة وبين يديه برذون له مريض يرعى فجاء إليه ووقف عنده وقال : مالي أرى هذا البرذون ضعيفاً ؟ فقام وقبّل الأرض وقال : يا مولانا السلطان حاله مثل حالي وما تخلّفت عنه في شيء يدي بيده في كل رزق يرزقنا الله . فقال له : هل عملت في برذونك هذا شيئاً ؟ قال : نعم . وأنشده بديهاً : .
أصبح برذوني المرقّع بال ... لمصقات في حسرةٍ يكابدها .
رأى حمير الشّعير عابرةً ... عليه يوماً فظلّ ينشدها .
قفا قليلاً بها علّي فلا ... أقلَّ من نظرةٍ أزودَّها .
فأعجب السلطان بديهته وأمر له ديناراً وخمسين مكوكاً من الشعير وقال له : هذه الدنانير لك والشعير لبرذونك ثم أمره بملازمة مجلسه كسائر الندماء ولم يزل يترقّي عنده إلى أن صار لا يصبر عنه . ومن شعر ابن الحلاوي : .
أرثَّ صرف الزمان حالي ... فما لدهري ترى وما لي .
حتى كأني له عدوٌّ ... يرشقني منه بالنبال .
وطالما كنت وهو عنّي ... وعن أخلاي في اشتغال .
ولو أتاني لصلت فيه ... أمراً ونهياً ولا أبالي .
أين زماني الذي تقضّى ... وأين جاهي وأين مالي .
وأين خفّي وطيلساني ... وأين قيلي وأين قالي .
وأين عيشي وأين طيشي ... وأين حسني وحسن حالي .
ونحن في فتيةٍ كرامٍ ... نجارهم في الفخار عال .
قد جعلوا اللهو رأس مالٍ ... فدته نفسي من رأس مال .
قد درسوا الفسق من قديمٍ ... فكم لهم فيه من جدال .
من أرغب الناس في الفقاح ال ... لذيذة المنيك الثّقال .
مخنّث عندهم لنيكٍ ... أحسن من زينةٍ ومال .
فما لهم قطّ من حديث ... فيه سوى النّيك والبدال .
فقائل ناكني فلان ... ونكته لا له ولا لي .
وقائل حين طاح سكراً ... وراح يحبو إلى البزال .
شواربي فقحتي سبالي ... مقعدتي قمّتي تعالي .
ونحن في مجلسٍ بديعٍ ... جلّ عن الوصف والمثال .
جمَّع فيه من كلّ شيءٍ ... فتمَّ في غاية الكمال .
فالرَّاحُ في الراح والملاهي ... في اللهو والنُّقل في النّقال .
وللملاهي به ضجيجٌ ... وللرّواويق والمقالي .
فالدّفُّ دف دف ددف ددف دف ... والزّمر تلّى تلل تلالي .
والجنك دن دن ددن ددن دن ... تصلحه ربّة الحجال .
خريدة رودة رداح ... سبحلةٌ عذبة المقال .
تفتن بالّدلّ والتجنّي ... والحسن والتّيه والدّلال .
عنّت فهام الفؤاد منّي ... وجداّ إلى سحرها الحلال .
وبيننا قهوة كتبرٍ ... رصّعها المزج باللآلي .
حديدة الطّعم عتّقتها ... ألفاً فألفا يد الليالي .
صفراء كالنار بل تراها ... مذ شابها الماء ذا اشتعال .
يسعى بها شادن رشيق ... مهفهف القدَّ ذو اعتدال .
مورَّد الوجنتين حلو ... سواه في الناس ما حلا لي .
قلت له إذ أطال وعدي ... ولجَّ في العذل والمطال .
دع التّجنّي فلست أسلو ... أخ أخ أخٍ يا محالي .
لم ؟ ا بدا وهي في يديه ... كالشمس في راحة الهلال .
فطبَّ طرطبَّ فوق رأسي ... وطاق طرطاق في قذالي .
وتفّ تخ وسط وجهي ... وقاع قع قاع في سبالي