أحمد بن محمد بن قلاون السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد ابن السلطان الملك الناصر ابن السلطان الملك المنصور ؛ كان أحسن الإخوة شكلاً ووجهاً وأكمل خلقاً صاحب بأسٍ وقوة مفرطة . أخرجه والده إلى الكرك وهو صغير لعله يكون عمره لم يبلغ عشر سنين وكان نائب الكرك الأمير سيف الدين ملكتمر السرجواني ثم جهّز إليه أخويه إبراهيم وأبا بكر المنصور وقد تقدم ذكر إبراهيم وسوف يأتي ذكر أبي بكر في حرف الباء إن شاء الله تعالى فأقاموا هنالك إلى أن ترعرعوا ثم طلبهم والدهم إلى القاهرة فرآهم وأعاد الناصر أحمد وترك إبراهيم وأبا بكر عنده بالقاهرة ثم إنه طلبه من الكرك وزوّجه بابنة الأمير سيف الدين طاير بغّا من أقارب السلطان وأقام قليلاً وأعاده إلى الكرك ومعه أهله ثم إنه وقع بينه وبين الأمير سيف الدين ملكتمر السرجواني تنافس اتصل بالسلطان فأحضرهما وغضب عليه والده وتركه قليلاً ثم جهزه إلى الكرك وحده بلا نائب فلم يزل بها مقيماً منفرداً إلى أن توفي والده على ما تقدم في ترجمته ولم يسند أمر الملك إليه على ما سوف يأتي إن شاء الله تعالى في ترجمة الأمير سيف الدين بشتاك ؛ وغلب الأمير سيف الدين قوصون الآتي ذكره في مكانه على رأي بشتاك وجلس الملك المنصور أبو بكر على كرسيّ الملك . ولّما خلع بعد مضي شهرين على ما يأتي ذلك في ترجمة أبي بكر أخيه وأقام قوصون أخاه الملك الأشرف كجك وكان قوصون هو النائب سيّر إلى أحمد هذا يطلبه إلى القاهرة فلم يوافق وكتب في الباطن إلى نواب الشام وإلى أكابر الأمراء مقدّمي الألوف يستجير بهم ويستعفي من الرواح إلى القاهرة وأظهر لهم المسكنة الوائدة فرقّوا له في الباطن وحملوا الكتب التي جاءت منه إلى قوصون خلا الأمير سيف الدين طشتمر حمّص أخضر الآتي ذكره إن شاء الله تعالى في حرف الطاء فإنه تظاهر بالخروج على قوصون وبالتعصب لأحمد وقام قياماً عظيماً كما يأتي في ترجمته ؛ وأما قوصون فلما كتبه إلى النواب جردَّ له قطلو بغا الفخري ومعه ألفا فارس من مصر وأمرهم بمحاصرة الكرك فتوجه الفخري إلى الكرك بالعساكر وحصره أيامأً ثم إنه رقَّ له ؛ ولما بلغه توجه الأمير علاء الدين الطًّنبغا نائب دمشق إلى حلب لإمساك طشتمر جاء الفخري بمن معه من العسكر وملك دمشق وانحرف عن قوصون ودعا الناس إلى طاعة الناصر أحمد وجرى ماجرى على مايأتي في ترجمة الفخري والطنبغا . ولما ملك الفخري دمشق ونزل بالقصر الأبلق وانهزم الطنبغا ومن معه ولحقوا بقوصون جهز الفخر إلى الكرك الأمير سليمان بن مُهنا والأمير سيف الدين قماري وغيرهما من الأمراء الكبار وسأل من الناصر الحضور إلى دمشق وقال له : قد حلّفت لك العساكر فلم يحضر وتعلل بحضور طشتمر من البلاد الرومية وكتب كتباً إلى الأمير سيف الدين طقزتمر نائب حماة وإلى الأمير بهاء الدين أصلم نائب صفد وإلى الأمراء مقدمي الألوف بدمشق يقول : إن الفخري هو نائبي وهو يولّي من يريد في النيابات الكبار بالشام ولم يزل يعد الفخري ويمنَيه بالحضور إلى أن جاء طشتمر من البلاد الرومية وجرى ما جرى من خروج الأمراء بالقاهرة على قوصون وإمساكه وتجهيزه إلى إسكندرية واعتقاله . فأخذ أحمد الناصر يمّني طشتمر والفخري بالحضور إلى دمشق بعد رمضان وكان ذلك في أوائل رمضان وتوجه إليه من أمراء الألوف المصريين الأمير بدر الدين جنكلي ابن البابا وأمثاله ومن الأمراء الخاصكية أزواج أخواته جماعة وسألوه على التوجه معهم إلى مصر فلم يوافق وعادوا خائبين . وترك الناس من الشاميين والمصريين في حيرة بعدما حلف المسلمون جميعهم له ثمّ إنّه توجه وحده إلى القاهرة ولم يشعروا به إلاّ وقد جاء المصريين بخبره بوصوله فطلع إلى القصر الأبلق بالقاهرة فلما بلغ الفخري ذلك توجه هو وطشتمر بعساكر الشام والدولة والقضاة الأربعة معهم وكانت سنة كثيرة الأمطار والثلوج وقاسى الرعايا شدّة وجبيت الأموال من الناس كبيرهم وصغيرهم لنفقات العساكر ولعمل شعار الملك وأبهة السلطنة فهلك الناس . ولّما وصل الفخري وطشتمر بالعساكر إلى القاهرة جلس الناصر أحمد على كرسي الملك وإلى جانبه أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو القاسم أحمد ابن أمير المؤمنين أبي الربيع سليمان وحضر قضاة القضاة الثمانية من المصريين والشاميين وعهد الخليفة إليه بحضور العالم وحلف