فهذا هو الأصل في بقاء هذه الطائفة على أديانها لشدة مباينتها لغيرها من الأمم ولأنهم ينظرون إلى الناس بعين النقص والإزراء إلى أبعد غاية .
وأما الطائفة الأولى وهم القراؤون .
فأكثرهم خرج إلى دين الإسلام أولا فأولا إلى أن لم يبق منهم إلا نفر يسير لأنهم أقرب إلى الاستعداد لقبول الإسلام لسلامتهم من محاولات فقهاء الربانيين أصحاب الافتراء الزائد الذين شددوا على جماعتهم الإصر .
فقد تبين مما ذكرناه أن الحخاميم هم الذين شددوا على هذه الطائفة دينهم وضيقوا عليهم المعيشة والإصر فقصدوا بذلك مبالغتهم في مضادة مذاهب الأمم حتى لا يختلطوا بهم فيؤدي اختلاطهم بهم إلى خروجهم من دينهم .
والسبب الثاني في تضييق الإصر عليهم أن اليهود مبددون في شرق البلاد وغربها فما من جماعة منهم في بلدة إلا إذا قدم عليهم رجل من أهل دينهم من بلاد بعيدة يظهر لهم الخشونة في دينه والمبالغة في التورع والاحتياط فإن كان من المتفقهة فهو يشرع في إنكار أشياء عليهم ويوهمهم التنزه عما هم فيه وينسبهم إلى قلة الدين وينسب ما ينكره عليهم إلى مشائخه وأهل بلده ويكون في أكثر ذلك الإسناد كاذبا .
ويكون قصده بذلك إما الرئاسة عليهم وإما تحصيل غرض منهم ولا سيما إن أراد المقام بينهم أو التدبير بينهم فتراه أول ما ينزل بهم لا يأكل من أطعمتهم ولا من ذبائحهم ويتأمل سكين ذباحهم وينكر عليهم بعض أمرهم ويقول أنا لا آكل إلا من ذباحة يدي .
فتراهم معه في عذاب لا يزال ينكر عليهم الحلال والمباح ويوهمهم تحريمه