الا إبليس أبى واستكبر هذا إكرام عظيم من الله تعالى لآدم حين خلقه بيده ونفخ فيه من روحه كما قال فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فهذه أربع تشريفات خلقه له بيده الكريمة ونفخه فيه من روحه وأمره الملائكة بالسجود له وتعليمه أسماء الأشياء ولهذا قال له موسى الكليم حين اجتمع هو وإياه في الملأ الأعلى وتناظرا كما سيأتي أنت آدم أبو البشر الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء وهكذا يقول أهل المحشر يوم القيامة كما تقدم وكما سيأتي إن شاء الله تعالى وقال في الآية الأخرى ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الا إبليس لم يكن من الساجدين قال ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال الحسن البصري قاس إبليس وهو أول من قاس وقال محمد بن سيرين أول من قاس إبليس وما عبدت الشمس ولا القمر الا بالمقاييس رواهما ابن جريج ومعنى هذا أنه نظر نفسه بطريق المقايسة بينه وبين آدم فرأى نفسه أشرف من آدم فامتنع من السجود له مع وجود الأمر له ولسائر الملائكة بالسجود والقياس إذا كان مقابلا بالنص كان فاسد الاعتبار ثم هو فاسد في نفسه فإن الطين أنفع وخير من النار فإن الطين فيه الرزانة والحلم والأنة والنمو والنار فيها الطيش والخفة والسرعة والاحراق ثم آدم شرفه الله بخلقه له بيده ونفخه فيه من روحه ولهذا أمر الملائكة بالسجود له كما قال إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون الا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين قال يا إبليس مالك أن لا تكون مع الساجدين قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون قال فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين استحق هذا من الله تعالى لأنه استلزم تنقصه لآدم وازدراؤه به وترفعه عليه مخالفة الأمر الآلهي ومعاندة الحق في النص على آدم على التعيين وشرع في الاعتذار بما لا يجدي عنه شيئا وكان اعتذاره أشد من ذنبه كما قال تعالى في سورة سبحان وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته الا قليلا قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان الا غرورا إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا وقال في سورة الكهف وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الا إبليس كان ن الجن ففسق عن أمر ربه أي خرج عن طاعة الله عمدا وعنادا واستكبارا عن امتثال أمره وما ذاك الا لأنه خانه طبعه ومادته الخبيثة أحوج ما كان إليها فإنه مخلوق من نار كما قال وكما قدرنا في