في البلد ان تخرج العامة مع العسكر وجاء مرسوم النائب من المرج بذلك فاستعرضوا في أثناء الشهر فعرض نحو خمسة آلاف من العامة بالعدة والاسلحة على قدر طاقتهم وقنت الخطيب ابن جماعة في الصلوات كلها واتبعه ائمة المساجد وأشاع المرجفون بأن التتر قد وصلوا الى حلب وأن نائب حلب تقهقر الى حماة ونودي في البلد يتطييب قلوب الناس واقبالهم علىمعايشهم وان السلطان والعساكر واصلة وأبطل ديوان المستخرج وأقيموا ولكن كانوا قد استخرجوا أكثر مما أمروا به وبقيت بواقي على الناس الذين قد اختفوا فعفى عما بقي ولم يرد ما سلف لا جرم ان عواقب هذه الأفعال خسر ونكر وأن اصحابها لا يفلحون ثم جاءت الأخبار بان سلطان مصر رجع عائدا الى مصر بعد ان خرج منها قاصدا الشام فكثر الخوف واشتد الحال وكثرت الامطار جدا وصار بالطرقات من الأوحال والسيول ما يحول بين المرء وبين ما يريده من الانتشار في الأرض والذهاب فيها فإنا لله وانا إليه راجعون .
وخرج كثير من الناس خفافا وثقالا يتحملون بأهليهم وأولادهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وجعلوا يحملون الصغار في الوحل الشديد والمشقة على الدواب والرقاب وقد ضعفت الدواب من قلة العلف مع كثرة الأمطار والزلق والبرد الشديد والجوع وقلة الشيء فلا حول ولا قوة الا بالله .
واستهل جمادي الاولى والناس على خطة صعبة من الخوف وتأخر السلطان واقترب العدو وخرج الشيخ تقي الدين بن يتيمة C تعالى في مستهل هذا الشهر وكان يوم السبت الى نائب الشام في المرج فثبتهم وقوى جأشهم وطيب قلوبهم ووعدهم النصر والظفر على الأعداء وتلا قوله تعالى ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغى عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور وبات عند العسكر ليلة الاحد ثم عاد الى دمشق وقد سأله النائب والامراء ان يركب على البريد الى مصر يستحث السلطان على المجيء فساق وراء السلطان وكان السلطان قد وصل الى الساحل فلم يدركه الا وقد دخل القاهرة وتفارط الحال ولكنه استحثهم على تجهيز العساكر الى الشام إن كان لهم به حاجة وقال لهم فيما قال ان كنتم اعرضتم عن الشام وحمايته أقمنا له سلطانا يحوطه ويحميه ويستغله في زمن الأمن ولم يزل بهم حتى جردت العساكر الى الشام ثم قال لهم لو قدر انكم لستم حكام الشام ولا ملوكه واستنصركم أهله وجب عليكم النصر فكيف وأنتم حكامه وسلاطينه وهم رعايتكم وانتم مسؤلون عنهم وقوى جأشهم وضمن لهم النصر هذه الكرة فخرجوا الى الشام فلما تواصلت العساكر الى الشام فرح الناس فرحا شديدا بعد ان كانوا قد يئسوا من أنفسهم وأهليهم وأموالهم ثم قويت الأراجيف بوصول التتر وتحقق عود السلطان الى مصر ونادى ابن النحاس متولي البلد في الناس من قدر على السفر فلا يقعد بدمشق فتصايح النساء والولدان ورهق الناس