وكثرتهم فركب الجيش وساروا قاصدين مرج الصفر ولم يمكنهم العبور على دمشق بل أخذوا من شرقها فلما اجتمعوا كلهم بمرج الصفر أرسل السلطان أمه إليهم فتلقوها وقبلوا الأرض بين يديها فأخذت تتألفهم وتصلح الأمور فاجابوها واشترطوا شروطا على ولدها السلطان فلما رجعت إليه لم يلتزم بها ولم تمكنه الخاصكية من ذلك فسارت العساكر إلى الديار المصرية فساق السلطان خلفهم ليتلاقى الأمور قبل تفاقمها وانفراطها فلم يلحقهم وسبقوه إلى القاهرة وقد كان أرسل أولاده واهله وثقله إلى الكرك فحصنهم فيها وركب في طائفة من الجيش الذين بقوا معه والخاصكية إلى الديار المصرية فلما اقترب منها صدوه عنها وقاتلوه فقتل من الفريقين نفر يسير فأخذه بعض الأمراء فشق به الصفوف وأدخله قلعة الجبل ليسكن الأمر فما زادهم ذلك إلا نفورا فحاصروا حينئذ القلعة وقطعوا عنها الماء وجرت خطوب طويلة وأحوال صعبة ثم اتفق الحال بعد ذلك مع الأمير سيف الدين قلاوون الالفي الصالحي وهو المشار إليه حينئذ أن يترك الملك السعيد الملك وتعوض بالكرك والشوبك ويكون في صحبته أخوه نجم الدين خضر وتكون المملكة إلى أخيه الصغير بدر الدين سلامش ويكون الأمير سيف الدين قلاوون أتابكه .
خلع الملك السعيد وتولية أخيه الملك العادل سلامش .
لما اتفق الحال على ما ذكرنا نزل السلطان الملك السعيد من القعلة إلى دار العدل في سابع عشر الشهر وهو ربيع الاخر وحضر القضاة والدولة من أولى الحل والعقد فخلع السعيد نفسه من السلطنة وأشهدهم على نفسه بذلك وبايعوا أخاه بدر الدين سلامش ولقب بالملك العادل وعمره يومئذ سبع سنين وجعلوا أتابكه الأمير سيف الدين قلاوون الألفي الصالحي وخطب له الخطباء ورسمت السكة باسمهما وجعل لأخيه الكرك ولأخيه خضر الشوبك وكتبت بذلك مكاتيب ووضع القاضاة والمفتيون خطوطهم بذلك وجاءت البريدية إلى الشام بالتحليف لهم على ما حلف عليه المصريون ومسك الامير أيدمر نائب الشام الظاهري واعتقل بالقلعة عند نائبها وكان نائبها إذ ذاك علم الدين سنجر الدواداري وأحيط على أموال نائب الشام وحواصله وجاء على نيابة الشام الأمير شمس الدين سنقر الأشقر في أبهة عظيمة وتحكم مكين فنزل بدار السعادة وعظمه الناس وعاملوه معاملة الملوك وعزل السلطان قضاة مصر الثلاثة الشافعي والحنفي والمالكي وولوا القضاء صدر الدين عمر بن القاضي تاج الدين بن بنت الاعز عوضا عن الشافعي وهو تقي الدين بن رزين وكأنهم إنما عزلوه لأنه توقف في خلع الملك السعيد والله أعلم .
بيعة الملك المنصور قلاوون الصالحي .
لما كان يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من رجب اجتمع الأمراء بقلعة الجبل من مصر وخلعوا