الأمراء والوزراء والقضاة والفقهاء والصوفية والشعراء ولم يتخلف أحد من هؤلاء وعمل سماط عظيم بها أكل منه الحاضرون وحمل منه إلى سائر دروب بغداد من بيوتات الخواص والعوام وخلع على جميع المدرسين بها والحاضرين فيها وعلى جميع الدولة والفقهاء والمعيدين وكان يوما مشهودا وأنشدت الشعراء الخليفة المدائح الرائقة والقصائد الفائقة وقد ذكر ذلك ابن الساعي في تاريخه مطولا مبسوطا شافيا كافيا وقدر لتدريس الشافعية بها الامام محي الدين أبو عبد الله بن فضلان وللحنفية الامام العلامة رشيد الدين أبو حفص عمر بن محمد الفرغاني وللحنابلة الامام العالم محي الدين يوسف بن الشيخ أبي الفرج ابن الجوزي ودرس عنه يومئذ ابنه عبدالرحمن نيابة لغيبته في بعض الرسالات إلى الملوك ودرس للمالكية ويومئذ الشيخ الصالح العالم أبو الحسن المغربي المالكي نيابة أيضا حتى يعين شيخ غيره ووقفت خزائن كتب لم يسمع بمثلها في كثرتها وحسن نسخها وجودة الكتب الموقوفة بها وكان المتولي لعمارة هذه المدرسة مؤيد الدين أبو طالب محمد بن العلقمي الذي وزر بعد ذلك وقد كان إذ ذاك أستاذ دار الخلافة وخلع عليه يومئذ وعلى الوزير نصير الدين ثم عزل مدرس الشافية في رابع عشر ذي القعدة بقاضي القضاة أبي المعالي عبدا لرحمن بن مقبل مضافا إلى ما بيده من القضاء وذلك بعد وفاة محيي الدين بن فضلان وقد ولى القضاء مدة ودرس بالنظامية وغيرها ثم عزل ثم رضى عنه ثم درس آخر وقت بالمستنصرية كما ذكرنا فلما توفي وليها بعده ابن مقبل رحمهم الله تعالى .
وفيها عمر الأشرف مسجد جراح ظاهر باب الصغير وفيها قدم رسول الانبر ورملك الفرنج إلى الأشرف ومعه هدايا منها دب أبيض شعره مثل شعر الاسد وذكروا أنه ينزل إلى البحر فيخرج السمك فيأكله وفيها طاووس أبيض أيضا وفيها كملت عمارة القيسارية التي هي قبل النحاسين وحول إليها سوق الصاغة وشغر سوق اللؤلؤ الذي كان فيه الصاغة العتيقة عند الحدادين وفيها جددت الدكاكين التي بالزيادة قلت وقد جددت شرقي هذه الصاغة الجديدة قيساريتان في زماننا وسكنها الصياغ وتجار الذهب وهما حسنتان وجميعهما وقف الجامع المعمور .
وممن توفي في هذه السنة من الاعيان .
أبو الحسن علي بن أبي علي .
ابن محمد بن سالم الثعلبي الشيخ سيف الدين الامدي ثم الحموي ثم الدمشقي صاحب المصنفات في الاصلين وغير ذلك من ذلك أبكار الأفكار في الكلام ودقائق الحقائق في الحكمة وأحكام الأحكام في أصول الفقه وكان حنبلي المذهب فصار شافعيا أصوليا منطقيا جدليا خلافيا وكان حسن الاخلاق سليم الصدر كثير البكاء رقيق القلب وقد تكلموا فيه بأشياء الله أعلم