فتناظر هو والرازي وخرجا من المناظرة إلى السب والشتم فلما كان من الغد اجتمع الناس في المسجد الجامع وقام واعظ فتكلم فقال في خطبته أيها الناس إنا لا نقول إلا ما صح عندنا عن رسول الله A وأما علم ارسطاطا ليس وكفريات ابن سينا وفلسفة الفارابي وما تلبس به الرازي فانا لا نعلمها ولانقول بها وإنما هو كتاب الله وسنة رسوله ولأي شيء يشتم بالأمس شيخ من شيوخ الاسلام يذب عن دين الله وسنة رسوله على لسان متكلم ليس معه على ما يقول دليل قال فبكى الناس وضجوا وبكت الكرامية واستغاثوا واعانهم على ذلك قوم من خواص الناس وأنهوا إلى الملك صورة ما وقع فأمر باخراج الرازي من بلاده وعاد إلى هراة فلهذا اشرب قلب الرازي بغض الكرامية وصار يلهج بهم في كلامه في كل موطن ومكان .
وفيها رضى الخليفة عن ابي الفرج ابن الجوزي شيخ الوعاظ وقد كان اخرج من بغداد إلى واسط فأقام بها خمس سنين فانتفع به اهلها واشتغلوا عليه واستفادوا منه فلما عاد إلى بغداد خلع عليه الخليفة وأذن له في الوعظ على عادته عندا لتربة الشريفة المجاورة لقبر معروف فكثر الجمع جدا وحضر الخليفة وأنشد يومئذ فيما يخاطب به الخليفة ... لا تعطش الروض الذي بنيته ... بصوب إنعامك قد روضا ... لا تبر عودا أنت قد رشته ... حاشى لباني المجد أن ينقضا ... إن كان لي ذنب قد جنيته ... فاستأنف العفو وهب لي الرضا ... قد كت أرجوك لنيل المنى ... فاليوم لا أطلب إلا الرضا ... .
ومما أنشده يومئذ ... شقينا بالنوى زمنا فلما ... تلاقينا كأنا ما شقينا ... سخطنا عند ما جنت الليالي ... وما زالت بنا حتى رضينا ... ومن لم يحى بعد الموت يوما ... فإنا بعد ما متنا حيينا ... .
وفي هذه السنة استدعى الخليفة الناصر قاضي الموصل ضياء الدين ابن الشهروزري فولاه قضاء قضاة بغداد وفيها وقعت قتنة بدمشق بسبب الحافظ عبد الغني المقدسي وذلك أنه كان يتكلم في مقصورة الحنابلة بالجامع الأموي فذكر يوما شيئا من العقائد فاجتمع القاضي ابن الزكي وضياء الدين الخطيب الدولعي بالسلطان المعظم والأمير صارم الدين برغش فعقد له مجلسا فيما يتعلق بمسألة الاستواء على العرش والنزول والحرف والصوت فوافق النجم الحنبلي بقية الفقهاء واستمر الحافظ على ما يقوله لم يرجع عنه واجتمع بقية الفقهاء عليه وألزموه بالزامات شنيعة لم يلتزمها حتى قال له الأمير برغش كل هؤلاء على الضلالة وأنت وحدك على الحق قال نعم