الدين أبو الفتح ملك شاه ولد في رجب سنة ثمان وسبعين وهو شقيق المعظم ثم المنصور أبو بكر أخو المعظم لأبويه ولد بحران بعد وفاة السلطان ثم عماد الدين شادي لأم ولد ونصير الدين مروان لأم ولد أيضا وأما البنت فهي مؤنسة خاون تزوجها ابن عمها الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر ابن أيوب رحمهم الله تعالى .
وإنما لم يخلف أموالا ولا أملاكا لجوده وكرمه وإحسانه إلى أمرائه وغيرهم حتى إلى أعدائه وقد تقدم من ذلك ما يكفي وقد كان متقللا في ملبسه ومأكله ومركبه وكان لا يلبس إلا القطن والكتان والصوف ولا يعرف أنه تخطى إلى مكروه ولا سيما بعد أن أنعم الله عليه بالملك بل كان همه الأكبر ومقصده الأعظم نصره الاسلام وكسر أعدائه اللئام وكان يعمل رأيه في ذلك وحده ومع من يثق به ليلا ونهارا وهذا مع ما لديه من الفضائل والفواضل والفوائد الفرائد في اللغة والادب وايام الناس حتى قيل إنه كان يحفظ الحماسة بتمامها وكان مواظبا على الصلوات في أوقاتها في الجماعة يقال إنه لم تفته الجماعة في صلاة قبل وفاته بدهر طويل حتى ولا في مرض موته كان يدخل الامام فيصلي به فكان يتجشم القيام مع ضعفه وكان يفهم ما يقال بين يديه من البحث والمناظرة ويشارك في ذلك مشاركة قريبة حسنة وإن لم يكن بالعبارة المصطلح عليها وكان قد جمع له القطب النيسابوري عقيدة فكان يحفظها ويحفظها من عقل من اولاده وكان يحب سماع القرآن والحديث والعلم ويواظب على سماع الحديث حتى أنه يسمع في بعض مصافه جزء وهو بين الصفين فكان يتبحبح بذلك ويقول هذا موقف لم يسمع احد في مثله حديثا وكان ذلك بإشارة العماد الكاتب وكان رقيق القلب سريع الدمعة عند سماع الحديث وكان كثير التعظيم لشرائع الدين كان قد صحب ولده الظاهر وهو بحلب شاب يقال له الشهاب السهروردي وكان يعرف الكيميا وشيئا من الشعبذة والابواب النيرنجيات فافتتن به ولد السلطان الظاهر وقربه واحبه وخالف فيه حملة الشرع فكتب إليه ان يقتله لا محالة فصلبه عن امر والده وشهره ويقال بل حبسه بين حيطين حتى مات كمدا وذلك في سنة ست وثمانين وخمسمائة وكان من اشجع الناس وأقواهم بدنا وقلبا مع ما كان يعترى جسمه من الأمراض والاسقام ولا سيما في حصارعكا فانه كان مع كثرة جموعهم وامدادهم لا يزيده ذلك إلا قوة وشجاعة وقد بلغت جموعهم خمسمائة الف مقاتل ويقال ستمائة الف فقتل منهم مائة الف مقاتل .
ولما انفصل الحرب وتسلموا عكا وقتلوا من كان بها من المسلمين وساروا برمتهم إلى القدس جعل يسايرهم منزلة منزلة وجيوشهم اضعاف اضعاف من معه ومع هذا نصره الله وخذلهم وسبقهم إلى القدس فصانه وحماه منهم ولم يزل بجيشه مقيما به يرهبهم ويرعبهم ويغلبهم ويسلبهم حتى تضرعوا اليه