من بلادهم ونفيرهم ما ذكره ابن الأثير في كامله أن جماعة من الرهبان والقسيسين الذين كانوا ببيت المقدس وغيره ركبوا من صور في أربعة مراكب وخرجوا يطوفون ببلدان النصارى البحرية وما هو قاطع البحر من الناحية الأخرى يحرضون الفرنج ويحثونهم على الانتصار لبيت المقدس ويذكرون لهم ما جرى على أهل القدس وأهل السواحل من القتل والسبي وخراب الديار وقد صوروا صورة المسيح وصورة عربي آخر يضربه ويؤذيه فإذا سألوهم من هذا الذي يضرب المسيح قالوا هذا نبي العرب يضربه وقد جرحه ومات فينزعجون لذلك ويحمون ويبكون ويحزنون فعند ذلك خرجوا من بلادهم لنصرة دينهم ونبيهم وموضع حجهم على الصعب والذلول حتى النساء المخدرات والزواني والزانيات الذين هم عند أهليهم من أعز الثمرات وفي نصف ربيع الأول تسلم السلطان شعيف أربون بالأمان وكان صاحبه مأسورا في الذل والهوان وكان من أدهى الفرنج وأخبرهم بأيام الناس وربما قرأ في كتب الحديث وتفسير القرآن وكان مع هذا غليظ الجلد قاسي القلب كافر النفس ولما انفصل فصل الشتاء واقبل الربيع جاءت ملوك الإسلام من بلدانها بخيولها وشجعانها ورجالها وفرسانها وأرسل الخليفة إلى الملك صلاح الدين أحمالا من النفط والرماح ونفاطة ونقابين كل منهم متقن في صنعته غاية الإتقان ومرسوما بعشرين ألف دينار وانفتح البحر وتواترت مراكب الفرنج من كل جزيرة لأجل نصرة أصحابهم يمدونهم بالقوة والميرة وعملت الفرنجه ثلاثةأبرجه من خشب وحديد عليها جلود مسقاة بالخل لئلا يعمل فيها النفط يسع البرج منها خمسمائة مقاتل وهي أعلا من أبرجة البلد وهي مركبة على عجل بحيث يديرونها كيف شاءوا وعلى ظهر كل منها منجنيق كبير فلما ذلك رأى المسلمون أهمهم أمرها وخافوا على البلد ومن فيه من المسلمين أن يؤخذوا وحصل لهم ضيق منها فأعمل السلطان فكره بإحراقها واحضر النفاطين ووعدهم بالأموال الجزيلة إن هم أحرقوها فانتدب لذلك شاب نحاس من دمشق يعرف بعلي بن عريف النحاسين والتزم بإحراقها فأخذ النفط الأبيض وخلطه بأدوية يعرفها وعلى ذلك في ثلاثة قدور من نحاس حتى صار نارا تأجج ورمى كل برج منها بقدر من تلك القدور بالمنجنيق من داخل عكا فاحترقت الأبرجة الثلاثة حتى صارت نارا بإذن الله لها ألسنة في الجو متصاعدة واحترق من كان فيها فصرخ المسلمون صرخة واحدة بالتهليل واحترق في كل برج منها سبعون كفورا وكان يوما على الكافرين عسيرا وذلك يوم الإثنين الثاني والعشرين من ربيع الأول من هذه السنة وكان الفرنج قد تعبوا في عملها سبعة أشهر فاحترقت في يوم واحد وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ثم أمر السلطان لذلك الشاب النحاس بعطية سنية وأموال كثيرة فامتنع أن يقبل شيئا من ذلك وقال إنما عملت ذلك ابتغاء وجه الله ورجاء