وجاءت الجيوش من الجزيرة وهو على العاصي فسار إلى السواحل الشمالية ففتح أنطر طوس وغيرها من الحصون وجبلة واللاذقية وكانتا من أحصن المدن عمارة ورخاما ومحالا وفتح صهيون وبكاس والشغر وهما قلعتان على العاصي حصينتان فتحهما عنوة وفتح حصن بدرية وهي قلعة عظيمة على جبل شاهق منيع تحتها أودية عميقة يضرب بها المثل في سائر بلاد الفرنج والمسلمين فحاصرها أشد حصار وركب عليها المجانيق الكبار وفرق الجيش ثلاث فرق كل فريق يقاتل فإذا كلوا وتعبوا خلفهم الفريق الآخر حتى لا يزال القتال مستمرا ليلا ونهارا فكان فتحها في نوبة السلطان أخذها عنوة في أيام معدودات ونهب جميع ما فيها واستولى على حواصلها وأموالها وقتل حماتها ورجالها واستخدم نساءها وأطفالها ثم عدل عنها ففتح حصن دربساك وحصن بغراس كل ذلك يفتحه عنوة فيغنم ويسلم ثم سمت به همته العالية إلى فتح أنطاكية وذلك لأنه أخذ جميع ما حولها من القرى والمدن واستظهر عليها بكثرة الجنود فراسله صاحب أنطاكية يطلب منه الهدنة على أن يطلق من عنده من أسرى المسلمين فأجابه إلى ذلك لعلمه بتضجر من معه من الجيش فوقعت الهدنة على سبعة أشهر ومقصود السلطان أن يستريح من تعبها وأرسل السلطان من تسلم منه الأسارى وقد ذلت دولة النصارى ثم سار فسأله ولده الظاهر أن يجتاز بحلب فأجابه إلى ذلك فنزل بقلعتها ثلاثة أيام ثم استقدمه ابن أخيه تقي الدين إليه حماة فنزل عنده ليلة واحدة وأقطعه جبلة واللاذقية ثم سار فنزل بقلعة بعلبك ودخل حمامها ثم عاد إلى دمشق في أوائل رمضان وكان يوما مشهودا وجاءته البشائر بفتح الكرك وإنقاذه من أيدي الفرنج وأراح الله منهم تلك الناحية وسهل حزنها على السالكين من التجار والغزاة والحجاج فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين .
فصل في فتح صفد وحصن كوكب .
لم يقم السلطان بدمشق إلا أياما حتى خرج قاصدا صفد فنازلها في العشر الأوسط من رمضان وحاصرها بالمجانيق وكان البرد شديدا يصبح الماء فيه جليدا فما زال حتى فتحها صلحا في ثامن شوال ثم سار إلى صور فألقت إليه بقيادها وتبرأت من أنصارها وأجنادها وقوادها وتحققت لما فتحت صفد أنها مقرونة معها في أصفادها ثم سار منها إلى حصن كوكب وهى معقل الاستثارية كما أن صفد كانت معقل الداوية وكانوا أبغض أجناس الفرنج إلى السلطان لا يكاد يترك منهم أحدا إلا قتله إذا وقع في المأسورين فحاصر قلعة كوكب حتى أخذها وقتل من بها وأراح المارة من شر ساكنيها وعهدت تلك السواحل واستقر بها منازل قاطنيها هذا والسماء تصب والرياح تهب والسيول تعب والأرجل في الأوحال تخب وهو في كل ذلك صابر مصابر وكان القاضي