بل سقاه ياقوت الأسدي في شراب فاعتراه قولنج فما زال كذلك حتى مات وهو شاب حسن الصورة بهى المنظر ولم يبلغ عشرين سنة وكان من أعف الملوك ومن أشبه أباه فما ظلم وصف له الأطباء في مرضه شرب الخمر فأستفتى الفقهاء في شربها تداويا فأفتوه بذلك فقال أيزيد شربها في أجلي أو ينقص منه تركها شيئا قالوا لا قال فو الله لا أشربها وألقى الله وقد شربت ما حرمه على ولما يئس من نفسه استدعا الأمراء فحلفهم لابن عمه عز الدين مسعود صاحب الموصل لقوة سلطانه وتمكنه ليمنعها من صلاح الدين وخشي أن يبايع لابن عمه الآخر عماد الدين زنكي صاحب سنجار وهو زوج أخته وتربية والده فلا يمكنه حفظها من صلاح الدين فلما مات استدعي الحلبيون عز الدين مسعود بن قطب الدين صاحب الموصل فجاء إليهم فدخل حلب في أبهة عظيمة وكان يوما مشهودا وذلك في العشرين من شعبان فتسلم خزائنها وحواصلها وما فيها من السلاح وكان تقي الدين عمه في مدينة منبج فهرب إلى حماه فوجد أهلها قد نادوا بشعار صاحب الموصل وأطمع الحلبيون مسعودا بأخذ دمشق لغيبة صلاح الدين عنها وأعلموه محبة أهل الشام لهذا البيت الاتابكي نور الدين فقال لهم بيننا وبين صلاح الدين أيمان وعهود وأنا لا أغدربه فأقام بحلب شهورا وتزوج بأم الملك الصالح في شوال ثم سار إلى الرقة فنزلها وجاءه رسل أخيه عمادالدين زنكي يطلب منه أن يقايضه من حلب الى سنجار وألح عليه في ذلك وتمنع أخوه ثم فعل على كره منه فسلم إليه حلب وتسلم عزالدين سنجار والخابور والرقة ونصيبين وسروج وغيرذلك من البلاد ولما سمع الملك صلاح الدين بهذه الأمور ركب من الديار المصرية في عساكره فسار حتى أتى الفرات فعبرها وخامر إليه بعض أمراء صاحب الموصل وتقهقر صاحب الموصل عن لقائه وأستحوذ صلاح الدين على بلاد الجزيرة بكمالها وهم بمحاصرة الموصل فلم يتفق له ذلك ثم جاء إلى حلب فتسلمها من عمادالدين زنكي لضعفه عن ممانعتها ولقلة ما ترك فيها عزالدين من الأسلحة وذلك في السنة الآتية وفيها عزم البرنس صاحب الكرك على قصد تيماء من أرض الحجاز ليتوصل منها إلى المدينة النبوية فجهزله صلاح الدين سرية من دمشق تكون حاجزة بينه وبين الحجاز فصده ذلك عن قصده وفيها ولي السلطان صلاح الدين أخاه سيف الإسلام ظهيرالدين طغتكين بن أيوب نيابة اليمن وأرسله إليها وذلك لاختلاف نوابها وأضطراب أصحابها وبعد وفاة المعظم أخي السلطان فسار إليها طغتكين فوصلها في سنة ثمان وسبعين فسار فيها أحسن سيرة واحتاط على أموال حطان بن منقذ صاحب زبيد وكانت تقارب ألف ألف دينار أو أكثر وأما نائب عدن فخرالدين عثمان [ الزنجبيلي ] فأنه خرج من اليمن قبل قدوم طغتكين فسكن الشام وله أوقاف مشهورة