فإنا كنا نقتبس النار بأكفنا وغيرنا يستنير ونستنبط الماء بأيدينا وسوانا يستمير ونلتقي السهام بنحورنا وغيرنا يعتمد التصوير والأبدان تسترد بضاعتنا بموقف العدل الذي يرد به المغصوب ونظهر طاعتنا فنأخذ بحظ كما أخذ بحظ القلوب وكان أول أمرنا أنا كنا في الشام نفتح الفتوح بمباشرتنا أنفسنا ونجاهد الكفار متقدمين بعساكرنا نحن ووالدنا وعمنا فأي مدينة فتحت أو أي معقل للعدو أو عسكر أو مصاف للإسلام معه ضرب فما يجهل أحد صنعنا ولا يجحد عدونا أن يصطلي الجمرة ونملك الكرة ونقدم الجماعة ونرتب المقاتلة وندبر التعبئة إلى أن ظهرت في الشام الآثار التي لنا أجرها ولا يضرنا أن يكون لغيرنا ذكرها ثم ذكر ما صنعوا بمصر من كسر الكفر وإزالة المنكر وقمع الفرنج وهدم البدع وما بسط من العدل ونشر من الفضل وما اقامه من الخطب العباسية ببلاد مصر واليمن والنوبة وإفريقية وغير ذلك بكلام بسيط حسن فلما وصلهم الكتاب اساؤوا الجواب وقد كانوا كاتبوا صاحب الموصل سيف الدين غازي بن مودود أخي نور الدين محمود بن زنكي فبعث إليهم أخاه عز الدين في عساكره واقبل إليهم في دساكره وانضاف إليهم الحلبيون وقصدوا حماه في غيبة الناصر واشتغاله بقلعة حمص وعمارتها فلما بلغه خبرهم سار إليهم في قل من الجيش فانتهى إليهم وهم في جحافل كثيرة فواقفوه وطمعوا فيه لقلة من معه وهموا بمناجزته فجعل يداريهم ويدعوهم إلى المصالحة لعل الجيش يلحقونه حتى قال لهم في جملة ما قال أنا اقنع بدمشق وحدها واقيم بها الخطبة للملك الصالح إسماعيل وأترك ما عداها من أرض الشام فامتنع من المصالحة الخادم سعد الدولة كمشتكين إلا أن يجعل لهم الرحبة التي هي بيد ابن عمه ناصر الدين بن أسد الدين فقال ليس لي ذلك ولا أقدر عليه فأبوا الصلح واقدموا على القتال فجعل جيشه كردوسا واحدا وذلك يوم الأحد التاسع عشر من رمضان عند قرون حماه وصبر صبرا عظيما وجاء في أثناء الحال ابن أخيه تقي الدين عمر بن شاهنشاه ومعه أخوه فروخ شاه في طائفة من الجيش وقد ترجح دسته عليهم وخلص رعبه إليهم فولوا هنالك هاربين وتولوا منهزمين فأسر من أسر من رؤسهم ونادى ان لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح ثم أطلق من وقع في أسره وسار على الفور إلى حلب وقد انعكس عليهم الحال وآلوا إلى شر مآل فبالأمس كان يطلب منهم المصالحة والمسالمة وهم اليوم يطلبون منه أن يكف عنهم ويرجع على أن المعرة وكفر طاب وماردين له زيادة على ما بيده من أراضي حماه وحمص فقبل ذلك وكف عنهم وحلف على أن لا يغزو بعدها الملك الصالح وأن يدعو له على سائر منابر بلاده وشفع في بني الداية أخوه مجد الدين على أن يخرجوا ففعل ذلك ثم رجع مؤيدا منصورا فلما كان بحماه وصلت إليه رسل الخليفة المستضيء بأمر الله بالخلع السنية والتشريفات العباسية