والفروسية والرمي وكان شهما شجاعا ذا همة عالية وقصد صالح وحرمة وافرة وديانة بينة فلما قتل أبوه سنة إحدى وأربعين وهو محاصر جعبر كما ذكرنا صار الملك بحلب إلى ابنه نور الدين هذا وأعطاه أخوه سيف الدين غازي الموصل ثم تقدم ثم افتتح دمشق في سنة تسع وأربعين فأحسن إلى أهلها وبنى لهم المدارس والمساجد والربط ووسع لهم الطرق على المارة وبنى عليها الرصافات ووسع الأسواق ووضع المكوس بدار الغنم والبطيخ والعرصد وغير ذلك وكان حنفي المذهب يحب العلماء والفقراء ويكرمهم ويحترمهم ويحسن إليهم وكان يقوم في أحكامه بالمعدلة الحسنة واتباع الشرع المطهر ويعقد مجالس العدل ويتولاها بنفسه ويجتمع إليه في ذلك القاضي والفقهاء والمفتيون من سائر المذاهب ويجلس في يوم الثلاثاء بالمسجد المعلق الذي بالكشك ليصل إليه كل واحد من المسلمين وأهل الذمة حتى يساويهم وأحاط السور على حارة اليهود وكان خرابا وأغلق باب كسان وفتح باب الفرج ولم يكن هناك قبله باب بالكلية وأظهر ببلاده السنة وأمات البدعة وأمر بالتأذين بحي على الصلاة حي على الفلاح ولم يكن يؤذن بهما في دولتي أبيه وجده وإنما كان يؤذن بحي على خير العمل لأن شعار الرفض كان ظاهرا بها وأقام الحدود وفتح الحصون وكسرالفرنج مرارا عديدة واستنقذ من أيديهم معاقل كثيرة من الحصون المنيعة التي كانوا قد استحوذوا عليها من معاقل المسلمين كما تقدم بسط ذلك في السنين المتقدمة وأقطع العرب إقطاعات لئلا يتعرضوا للحجيج وبنى بدمشق مارستانا لم يبن في الشام قبله مثله ولا بعده أيضا ووقف وقفا على من يعلم الأيتام الخط والقراءة وجعل لهم نفقة وكسوة وعلى المجاورين بالحرمين وله أوقاف داره على جميع أبواب الخير وعلى الأرامل والمحاويج وكان الجامع دائرا فولى نظره القاضي كمال الدين محمد بن عبدالله الشهزوري الموصلي الذي قدم به فولاه قضاء قضاة دمشق فاصلح أموره وفتح المشاهد الأربعة وقد كانت حواصل الجامع بها من حين احترقت في سنة إحدى وستين وأربعمائة وأضاف إلى أوقاف الجامع المعلومة الأوقاف التي لا يعرف واقفوها ولا يعرف شروطهم فيها وجعلها قلما واحدا وسمى مال المصالح ورتب عليه لذوي الحاجات والفقراء والمساكين والأرامل والأيتام وما أشبه ذلك وقد كان C حسن الخط كثير المطالعة للكتب الدينية متبعا للآثار النبوية محافظا على الصلوات في الجماعات كثير التلاوة محبا لفعل الخيرات عفيف البطن والفرج مقتصدا في الإنفاق على نفسه وعياله في المطعم والملبس حتى قيل إنه كان أدنى الفقراء في زمانه أعلا نفقة منه من غير اكتناز ولا استئثار بالدنيا ولم يسمع منه كلمة فحش قط في غضب ولا رضى صموتا وقورا قال ابن الأثير لم يكن بعد عمر بن عبدالعزيز مثل الملك نور الدين ولا أكثر تحريا للعدل والإنصاف منه وكانت له دكاكين بحمص قد اشتراها مما يخصه من المغانم