وأسكن أكثر الأمراء في دور من كان ينتمي إلى الفاطميين ولا يلقى أحد من الأتراك أحدا من أولئك الذين كانوا بها من الأكابر إلا شلحوه ثيابه ونهبوا داره حتى تمزق كثير منهم في البلاد وتفرقوا شذرمذر وصاروا أيدي سبا وقد كانت مدة ملك الفاطميين مائتين وثمانين سنة وكسرا فصاروا كأمس الذاهب كأن لم يغنوا فيها وكان أول من ملك منهم المهدي وكان من سليمة حدادا اسمه عبيد وكان يهوديا فدخل بلاد المغرب وتسمى بعبيد الله وادعى أنه شريف علوي فاطمي وقال عن نفسه إنه المهدي كما ذكر ذلك غير واحد من العلماء والأئمة بعد الأربعمائة كما قد بسطنا ذلك فيما تقدم والمقصود أن هذا الدعى الكذاب راج له ما افتراه في تلك البلاد ووازره جماعة من الجهلة وصارت له دولة وصولة ثم تمكن إلى أن بني مدينة سماها المهدية نسبة إليه وصار ملكا مطاعا يظهر الرفض وينطوي على الكفر المحض ثم كان من بعده ابنه القائم محمد ثم ابنه المنصور إسماعيل ثم ابنه المعز معد وهو أول من دخل ديار مصر منهم وبنيت له القاهرة المعزية والقصران ثم ابنه العزيز نزار ثم ابنه الحاكم منصور ثم ابن الطاهر علي ثم ابنه المستنصر معد ثم ابنه المستعلي أحمد ثم ابنه الآمر منصور ابن عمه الحافظ عبد المجيد ثم ابنه الظافر إسماعيل ثم الفائز عيسى ثم ابن عمه العاضد عبدالله وهو آخرهم فجملتهم أربعة عشر ملكا ومدتهم مائتان ونيف وثمانون سنة وكذلك عدة خلفاء بنى أمية أربعة عشر أيضا ولكن كانت مدتهم نيفا وثمانين سنة وقد نظمت أسماء هؤلاء وهؤلاء بأرجوزة تابعة لأرجوزة بني العباس عند انقضاء دولتهم ببغداد في سنة ست وخمسين وستمائة كما سيأتي وقد كان الفاطميون أغنى الخلفاء وأكثرهم مالا وكانوا من أغنى الخلفاء وأجبرهم وأظلمهم وأنجس الملوك سيرة وأخبثهم سريرة ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات وكثر أهل الفساد وقل عندهم الصالحون من العلماء والعباد وكثر بأرض الشام النصرانية والدرزية والحشيشية وتغلب الفرنج على سواحل الشام بكماله حتى أخذوا القدس ونابلس وعجلون والغور وبلاد غزة وعسقلان وكرك الشوبك وطبرية وبانياس وصور وعكا وصيدا وبيروت وصفد وطرابلس وإنطاكية وجميع ما والى ذلك إلى بلاد إياس وسيس واستحوذوا على بلاد آمد والرها ورأس العين وبلاد شتى غير ذلك وقتلوا من المسلمين خلقا وأمما لا يحصيهم إلا الله وسبوا ذراري المسلمين من النساء والولدان ما لا يحد ولا يوصف وكل هذه البلاد كانت الصحابة قد فتحوها وصارت دار إسلام وأخذوا من أموال المسلمين ما لا يحد ولا يوصف وكادوا أن يتغلبوا على دمشق ولكن الله سلم وحين زالت أيامهم وانتقض إبرامهم أعاد الله D هذه البلاد كلها إلى المسلمين بحوله وقوته وجوده ورحمته وقد قال الشاعر المعروف عرقلة