أنه أقلع عن شرب الخمر والمناظرة وأقبل على النسك والخير .
يوسف بن عبد الله .
ابن بندار الدمشقي مدرس النظامية ببغداد تفقه على اسعد الميهني وبرع في المناظرة وكان يتعصب للأشعرية وقد بعث رسولا في هذه السنة إلى شملة التركماني فمات في تلك البلاد .
ثم دخلت سنة أربع وستين وخمسمائة .
فيها كان فتح مصر على يدي الأمير أسد الدين شيركوه وفيها طغت الفرنج بالديار المصرية وذلك انهم جعلوا شاور شحنة لهم بها وتحكموا في أموالها ومساكنها أفواجا ولم يبق شئ من أن يستحوذوا عليها ويخرجوا منها أهلها من المسلمون وقد سكنها أكثر شجعانهم فلما سمع الفرنج بذلك جاؤا إليها من كل فج وناحية صحبة ملك عسقلان في جحافل هائلة فأول ما أخذوا مدينة بلبيس وقتلوا من أهلها خلقا وأسروا آخرين ونزلوا بها وتزكوا بها اثقالهم وجعلوها موئلا ومعقلا لهم ثم ساروا فنزلوا على القاهرة من ناحية باب البرقية فأمر الوزير شاور الناس أن يحرقوا مصر وأن ينتقل الناس منها إلى القاهرة فنهبوا البلد وذهب للناس أموال كثيرة جدا وبقيت النار تعمل في مصر أربعة وخمسين يوما فعند ذلك أرسل صاحبها العاضد يستغيث بنور الدين وبعث إليه بشعور نسائه يقول أدركني واستنقذ نسائي من أيدي الفرنج والتزم له بثلث خراج مصر على ان يكون أسد الدين مقيما بها عندهم والتزم له بإقطاعات زائدة على الثلث فشرع نور الدين في تجهيز الجيوش إلى مصر فلما استشعر الوزير شاور بوصول المسلمين أرسل إلى ملك الفرنج يقول قد عرفت محبتي ومودتي لكم ولكن العاضد والمسلمين لا يوافقوني على تسليم البلد وصالحهم ليرجعوا عن البلد بألف ألف دينار وعجل لهم من ذلك ثمانمائة ألف دينار فانشمروا راجعين إلى بلادهم خوفا من عساكر نور الدين وطمعا في العودة إليها مرة ثانية ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ثم شرع الوزير شاور في مطالبة الناس بالذهب الذي صالح به الفرنج وتحصيله وضيق على الناس مع ما نالهم من الضيق والحريق والخوف فجبر الله مصابهم بقدوم عساكر المسلمين عليهم وهلاك الوزير على يديهم وذلك أن نور الدين استدعي الأمير أسد الدين من حمص إلى حلب فساق إليه هذه المسافة وقطعها في يوم واحد فإنه قام من حمص بعد أن صلى وسلم الصبح ثم دخل منزله فأصاب فيه شيئا من الزاد ثم ركب وقت طلوع الشمس فدخل حلب على السلطان نور الدين من آخر ذلك اليوم يقال إن هذا لم يتفق لغيره إلا للصحابة فسر بذلك نور الدين على العساكر وأنعم عليه بمائتي ألف دينار وأضاف إليه من الأمراء والأعيان كل منهم يبتغي بمسيره رضى الله والجهاد في سبيله وكان من جملة الأمراء ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيوب ولم يكن منشرحا لخروجه هذا بل كان كارها